
كان ثمن الدخول إلى قاعة العرض السينمائي الموجودة بحي العمالةيتراوح ما بين ١٠٠ و ١٥٠ و ٢٠٠ فرنك أي ما يعادل درهم و درهم ونصف و درهمين .كانت القاعة تكتض بروادها الى حد ان البعض منهم لا يجد مقعدا يجلس عليه و يقبل بمشاهدة الفيلم واقفا ولكم أن تتخيلوا المتعة التي كان يعيشها الحضور و الأجواء البيئية التي كانوا يسبحون فيها كدخان السجائر التي ،بالمناسبة،كانت تهرب من مدينة العيون و تباع خلسة و أغلبها من أنواع رديئة من صنف 《 كروخير و فينسدور》و الأنواع الراقية الأمريكية الصنع من نوع 《 ل م و كامل و وينستون و مارلبورو 》.

زيادة على هذا الهواء الملوث هناك ضجيج المتفرجين بسبب تعليقاتهم على مشاهد الأفلام و خاصة الهندية منها .عند انتهاء العرض تتجه كل مجموعة صوب المناطق الثلاث المكونة للمدشر في الظلام الدامس أو تحت ضوء القمر مستعملين المصابيح اليدوية إن كانت متوفرة أو أي وسيلة أخرى مبتكرة لقطع وادي إبن الخليل.
كان الواد أنظف منطقة بالمدينة حيث كان عبارة عن رملة من الحصى و حجارة ملساء متنوعة الحجم و اللون يأتي بها الماء من منابعه ، وكان بإمكننا و نحن اطفال نلعب بجنبه أن نحفر حفر صغيرة بعدة سنتيمترات فقط للحصول على الماء العذب لنروي عطشنا . اما المنازل فكانت تتوفرعلى براميل من سعة ٢٠٠ ليتر يتم ملؤها من طرف عربة تحمل برميل و يجرها حمار مرة كل أسبوع و تستعمل لكل الأغراض المنزلية من غسيل و طهي و حتى الإستحمام إن دعت الضرورة الى ذلك ولم يكن الفرد من رواد الحمام العمومي الموجود بجانب السوق المركزي و المعروف بحمام النجار أي أنه مسمى على اسم مالكها السيد الحسين النجار رحمة الله عليه .

بعد رحيلنا الى الطانطان الأبيض وبسبب صعوبة التنقل الى حي العمالة لتسيير المشروع ارتأى الجميع أن الوقت قد حان لنقل مقر السينما الى جانب السوق المركزي .للذكرى و الإنصاف تجدر الإشارة إلى أن عدد من أفراد عائلتنا كانوا قد اشتغلوا بالسينما أو بالمقهى ومنهم المدعو صنيبة و هو من عائلة أمزيان و امبارك بيغدن و ابني عماتي محمد بوجا و ابراهيم الفرواح وأخيرا و ليس آخرا الحسين ساعد وقد ساعدوا كلهم جزاهم الله خيرا مع أخي محمد وعمي عبد الله على نجاح هذا المشروع و استمراره ،رحم الله من توفي منهم و اطال في عمر من هم لا زالوا احياء يرزقون و حفظهم من كل مكروه .
في البداية اكترى الوالد مستودع في ملكية المرحوم امبارك اوجامع يوجد بالقرب من المسجد العتيق بجانب المحلات التي يباع فيها الدجاج الآن .الا ان المكان لم يكن مناسبا البتة كقاعة للعروض .خلال تلك الفترة أي ما بين ١٩٦٥ و ١٩٦٧ انتقلت لإتمام تعليمي بمدينة تارودانت وهو الأمر الذي غيبني عن المشهد لأنني كنت آتي الى الطانطان خلال النصف الثاني من عطلة الصيف فقط حيث كنت دائما أفضل قضاء عطلة الصيف بمدينة كليميم العزيزة على قلبي كذلك .عند رجوعي إلى حضن أهلي واحبابي بالطانطان وإلى المؤسسة التعليمية التي غادرتها و هي ابتدائية و قد تحولت إلى ثانوية ، وجدت كذلك مقر السينما قد انتقل أيضا إلى المعلمة التي تركتها اسبانية :إنها البناية التي كانت بها أول مجزرة بالمدينة سابقا وهو المكان الموجود أمام السوق المركزي و المعروف الآن بمقهى 《 لزعر 》 و احفاده و كانت البناية بمثابة جزيرة أو بتعبير أدق مفترق طرق وسط السوق لا ترتبط بالمحلات التجارية شمالا بمعنى أنها كانت ذات اربع واجهات .

بقيت أجواء العرض بدون تغيير نظرا لضيق المكان و ضجيج المحرك الضروري لتشغيل الآلة السينمائية و الموضوع فوق القاعة في أحد أبراج المبنى : نفس الروائح المختلفةالمنبعثة من أجساد المتفرجين و الممزوجة بدخان السجائر و حرارة الاجسام مع رطوبة المكان ؛كما بقيت الأثمنة بدون تغيير نظرا لعدم توفر الشروط المنطقية اللازمة لذلك.
كانت أغلبية الأفلام المعروضة أمريكية الصنع أو هندية وهي المفضلة للجميع و الأنواع الأخرى اما فرنسية أو مصرية . رغم كل الإكراهات كان الإقبال في تزايد إلى درجة أن بعض المشاهدين يشاهدون الفيلم مرتين أو ثلاثة مما دفع العائلة إلى وضع طلب الى السلطات الإقليمية للحصول على بقعة أرضية أوسع لبناء قاعة للعرض السينمائي بمواصفات مقبولة الى حد ما وتلك قصة أخرى . يتبع….

