يبدو أن قدر ساكنة مدينة العيون هو التعايش مع الفوضى الأمنية وانتشار الجريمة بكافة أنواعها، فرغم الانزال الأمني المكثف التي تشهده بعض أحياء وشوارع المدينة في النهار، فسرعان ما تبيت المدينة عبارة عن أرض سائبة بعد الحادية عشر ليلا، حيث يتم احتلالها من طرف عصابات تجارة المواد الممنوعة، وسيارات المهربين رباعية الدفع التي تكدر صفو المدينة، وتصول وتجول، تنتهك قانون السير، وتعرض أمن المواطنين وحياتهم للخطر دون أي رادع…
منذ أسابيع وعلى إثر انتهائي من سهرة عمل مع أحد الأصدقاء في مكتبه، وأثناء العودة الى البيت في حدود حوالي الساعة الثانية ليلا، لم ننتبه أنا وصديقي الى إحدى السيارات التي كانت تلاحقنا الا بعد توقفنا أمام مقر سكني، حيث توقفت مباشرة سيارة رباعية الدفع بجوارنا لينزل منها شاب يبدو أنه تحت تأثير تناول مواد مخدرة أو مهلوسة، ويتجه نحوي مباشرة ليطلب مني أن أمده بمبلغ لكي يشتري المازوت لسيارته، بعد اعتذاري له ورفضي لطلبه، وأمام إصراره سأودع صديقي الذي كان برفقتي لأكتشف أن الشاب الذي يحاول إرغامي على إعطائه مبلغا من المال مسلحا (أجسام حادة بارزة تحت لباسه الفضفاض)، كما سألاحظ أن صاحبه الذي يقود السيارة رباعية الدفع تحت تأثير تناول المواد المخدرة أو المهلوسة هو الآخر..
حينها كنت أفكر في كيفية التخلص من شخصين مسلحين يبدوان في غير كامل قواهما العقلية في وقت متأخر من الليل، وفي زقاق خال من المارة، وأمام ارتفاع أصوات جدالنا، على أمل أن يبرز بعض المراهقين “اللعاكيك” من أبناء الجيران، الذين لطالما سهروا وصدعوا رؤوسنا بصخبهم ليلا في الزقاق ولكن دون جدوى ههههه.
لكن ولحسن الحظ وأمام توقعي للأسوأ سيتدخل سائق السيارة رباعية الدفع دون سابق إنذار ليطلب من صاحبه أن يتركني وشأني ويصر على ذلك، مشيرا الى أنه يعرفني شخصيا، قبل أن يدخل معي في نقاش حول معرفته لي دون أن أتمكن من تذكره، مشيرا الى أنه تربى في نفس الحي الذي أسكن فيه، ومستدلا على ذلك بذكر بعض الأسماء من أبناء الحي رغم حالة السكر البادية عليه…
وقبل مغادرتهما سيخبراني – في ما يبدو أنه اعتذار- أن سبب ملاحقتهم لسيارة صديقي الذي كان قد غادر المكان هو ظنهما أننا نبحث عن من يبيعنا حاجتنا من المواد الممنوعة بسبب مرورنا من زقاق يتمركزان فيه، وأن فكرة الهجوم علينا ومحاولة سرقتنا طرأت عليهما بعد رؤيتهما لنا بشكل مباشر، بعد يأسهما من إمكانية تبضعنا من عندهما.
للتوضيح مقر سكني يقع بوسط المدينة و بجوار أحد أكثر الشوارع ازدحاما ونشاطا، لكن رغم ذلك فلم يشفع لي أمام شخصين مسلحين يبدوان تحت تأثير تناول المخدرات سوى معرفة مسبقة بأحدهم، فما بالكم كيف سيكون حال ساكني ضواحي المدينة وأحيائها الشرقية التي تقل فيها الحركة ليلا ونهارا، وينذر التواجد الأمني بها.
طبعا ما يحز في النفس وما دفعني لنشر هذه التجربة، هو درجة انعدام الأمن المهولة التي صارت تشهدها المدينة، حتى بت لا آمن على نفسي الوقوف أمام مقر سكني ليلا، عدى عن حالة الفوضى التي يمكن معها أن يشهر عليك أحدهم سيفا أو سلاحا ناريا في وسط المدينة، كما يمكن أن تجد شخصا في حالة سكر طافحة يقود سيارة دفع رباعي في شوارع وأزقة المدينة معرضا حياته وحياة الأبرياء للخطر.
والله يلطف وتوف
بقلم : بنعبد الفتاح محمد سالم