الشيخ أحمد عيلال ودوره الريادي في تاريخ الصحراء مابين 1900 و 1970
بقلم: مولاي احمد عزيزي – عن الموقع الرائد العيون الان
صورة الحاج أحمد عيلال
ينتمي أحمد العيلال الى قبيلة يكوت المجاهدة عرش أمزاويك فخذ أهل باهية، شخصية من الشخصيات البارزة بالصحراء وشيخ مقاوم عرف بالكرم والشجاعة ودماثة الأخلاق والمساهمة في حل الخلافات والنزاعات، تناولت سيرته العديد من الكتابات أغلبها أجنبيا وبعض الأفلام الوثائقية خصوصا رحلته شهيرة رفقة الفرنسي ميشيل فيوشانج Michel Vieuchange. سنحاول من خلال هذا المقال التعريف بهذا الرجل من خلال أربعة محاور أولها نسبه، و ثانيها تفاصيل رحلته مع المستكشف الفرنسي، و ثالث المحاور سنبرز من خلاله دوره في فترة الاستعمار الاسباني، وأخر المحاور سنبسط فيه مشاركته الفعالة في الأحداث السياسية إبان انسحاب المستعمر و عودة السلطان محمد الخامس من المنفى.
المحور الأول: نسبه
هو أحمد ولد عيلال ولد الوعبان ولد محمد ولد باهية ولد أحمد ولد قاسم ولد محمد ولد أحمد ولد قاسم ولد داود المنتسب إلى الشريف العالم العلامة مولاي ابراهيم أمزوك، سليل الدوحة النبوية الشريفة، ووالدته هي الشريفة العفيفة مانة منت رمضان حفيدة الولي الصالح مولاي الحسين ولد الخن دفين منطقة الشبابين قرب مدينة السمارة.
نشأ أحمد و ترعرع في بيت والده العيلال ولد الوعبان، الذي كان شيخا ووجيها زاهدا وبطلا مجاهدا ضد المد الاستعماري الأوروبي، وعضوا في مجلس الاربعين (هيئة مهمتها الإشراف على تدبير شؤون القبيلة)، كما جاء في كتاب الباحث والمستشرق الفرنسي بول مارتي (قبائل شمال موريتانيا) الذي زار المنطقة خلال القرن التاسع عشر.
المحور الثاني: أحمد العيلال وميشيل فيوشانج Michel Vieuchange
ميشيل فيوشانج هو مستكشف فرنسي، قدم إلى المغرب و لديه حلم بالوصول إلى مدينة السمارة، التي أحبها و عشقها انطلاقا مما سمعه عن صمود أهلها و تصديهم لحملة الضابط الفرنسي موري Mouret الذي حاول غزو العاصمة العلمية للصحراء سنة 1913. انطلقت المرحلة الأولى لرحلة فيوشانج من مدينة الصويرة بتدبير ومساعدة من قائدها حدو و انتهت بتيكليت (وهي قرية تبعد عن كلميم ب 74 كيلومتر تحدها السمارة جنوبا و كلميم شمالا و أسا شرقا وطانطان غربا)، المرحلة الثانية التي كلف بها شيخ تيكليت واسمه اعلي اومولود من خلال علاقاته المتينة مع مجموعة من أعيان وشيوخ القبائل الصحراوية بحيث سيطلب من الحاج احمد العيلال مرافقة الفرنسي للسمارة، لم يكن اختياره للحاج احمد ولد عيلال اعتباطيا بل كان مدروسا نظرا للمكانة التي يحظى بها شيخ يكوت لدى جميع القبائل بالإضافة إلى معرفته الدقيقة بأسرار و خبايا كل جزء من أرض البيضان. و في صباح الأول من نوفمبر 1930 دخلت قافلة الباحث الفرنسي مدينة السمارة ليكتب فور مشاهدته لمعالمها من بعيد: «لا أكاد أصدق كلما فكرت بين لحظة وأخرى، سأجدني وجها لوجه أمام «السمارة»، هناك من بعيد برزت المدينة بكاملها، القصبتان أولا، ثم المسجد، فالمنازل نصف المهدمة، لا وجود لأي سور حول المدينة، وحدها الصحراء تحيط بها من جانب، بدأت أبحث عن كيفية الدخول إلى القصبة الكبيرة، ذات الشكل التصميمي المربع، ظللت أطوف حول الجدران المحافظة على تماسك حجارتها السوداء التي تم جمعها في الصحراء، لكم رغبت في الدخول لولا ضيق الوقت، أعلم أن الشيخين بين الفينة والأخرى سيرغبان في المغادرة، وجدت ثقبا على واجهة الحائط يطل على داخل القصبة، والتقطت صورتين، ثم ابتعدت عازما أن أعود متى توفر لدي الوقت…
لكن القدر لم يعنه للعودة مرة أخرى للمكان الذي أحبه وضحى شيء الكثير للوصول إليه فقد أصيب و هو في طريق العودة إلى تيكليت بمرض عضال ليتوفى على أثره بمدينة أكادير يوم 29 نوفمبر 1930.
ألف شقيقه جون فيوشانج كتابا اعتمادا على المذكرات التي تركها ميشيل قبيل موته واصفا رفيق رحلته أحمد العيلال بأحسن الأوصاف مثنيا على بسالته و وفائه و ذكائه بالإضافة إلى حسن تعامله مع ظروف الصحراء القاحلة.
المحور الثالث :أحمد العيلال والاستعمار الاسباني.
اعترفت به السلطات الاسبانية وعينته بمرسوم كشيخ ممثل للقبيلة يكوت سنة 1934 بطرفاية حينما كانت عاصمة لصحراء الاسبانية، هو وسبعة آخرين من وجهاء القبيلة مهمتهم الحديث عن مشاكل وهموم أبناء عمومتهم، و الدفاع عن مصالحهم أمام الادراة الاسبانية.
و خلال سنة 1954 ميلادية قامت السلطات الاسبانية ممثلة في الكومندار Rabanira/ رابانيرا و القبطان Binard باستدعاء بعض شيوخ قبيلة يكوت منهم: أحمد العيلال وبويا أحمد ولد عزوز المصلاحي والحبيب ولد أحمد لحسن فطلبوا منهم أن تؤدي قبيلتهم ضريبة العشر على غرار ما قامت به السلطات الفرنسية في أماكن نفوذها، وهو ما رفضوه رفضا باتا، لتبعث السلطات الاسبانية فرقة عسكرية مكونة من 25 جنديا يتزعمهم ضابط يدعى Tirnty / تيرنتي لمهاجمة ماشية أحمد العيلال بحيث سلبوا منها بعض النوق و الجمال انتقاما منه و لموقفه المعادي لاستعمار.
المحور الرابع: أحمد العيلال و المقاومة و جيش التحرير.
انخرط المرحوم الحاج أحمد العيلال في جيش التحرير مبكرا و قدم له مساهمات عينية مهمة تمثلت في 40 جملا و العديد من الأسلحة النارية، كما شارك في جميع المحطات السياسية التي عرفتها الصحراء خلال خمسينات وستينات القرن 20، ففي سنة 1956 شارك رفقة مجموعة كبيرة من شيوخ ووجهاء القبائل الصحراوية في مؤتمر أم شكاك ( منطقة تقع بين السمارة و العيون)، بالإضافة إلى مشاركته الفعالة بمؤتمر بوخشبية (منطقة تبعد حوالي 60 كيلومتر عن الطنطان) عبر إقامته للعدد كبير من الخيام ومساهمته في استقبال وتأطير وتغذية المشاركين، وهو اللقاء الذي عرف حضور ولي العهد آنذاك الأمير مولاي الحسن.
عقب عودة السلطان محمد الخامس من المنفى سنة 1956 توجه الرمز الحاج أحمد العيلال رفقة العديد من أبناء عمومته لتجديد أواصر البيعة ومن المشاركين في الوفد الذي مثل قبيلة يكوت المحجوب ولد امبارك العربي/ لحبيب ولد أحمد لحسن/ المجاهد الكبير عالي ولد أبا لحسن / لعروصي ولد الراحل/ لعروصي ولد محمد/ بويا أحمد ولد مولاي أحمد/ أحمد ولد محيمدات/ بويا أحمد ولد عزوز ولد سيدي العربي/ أحمد وولد ناجم / اعلي سالم ولد بارا/ و أخرون.
توفي رحمة الله عليه سنة 1971 بطانطان تاركا ورائه سمعته الطيبة و تاريخه الناصع البياض، فيوم موته بكته سائر القبائل الصحراوية بأعيانها و شيوخها و مجاهديها، و ليس أبلغ مما قاله الشاعر الصحراوي الكبير الكوري ولد حماد في أبيات تاريخية فور علمه بوفاة الحاج أحمد العيلال ولد الوعبان متغنيا بصفاته الحميدة كالشجاعة والكرم والسخاء.
شكر أحمد يا أحد تخرس*** لشكر و تعرف شي للمس
أحمد يعرف حالة يملص*** سمعو و الحالة صايبها
يعطي عن لخوت بلا حس*** أحمد عطاي و نايبها
و الناس لهون لمنها خص*** غاية دايرها صايبها
و مع ذا من شكر و يدرس*** ما حد الدنيا شايبها
هم الروم و الجهاد وخص*** الجهاد ولا رايبها
طاح و طاحت تحتو لفرس*** أحمد لو حظ و صايبها.
لائحة المراجع:
Paul Marty : Les tribus de la haute Mauritanie/ Publication de la COMITE DE L’AFRIQUE FRANÇAISE / Paris 1915.
Patrick Adam : De Smara à Smara :sur les traces de Michiel Vieuchenge. 2006/ Editions L’harmattan/ Paris
Vieuchange, Michel (2004) [1932]. Smara: Carnets de route d’un fou du désert . Vieuchange, Jean (editor; introduction, notes, PostScript); Claudel, Paul (preface) (Revised ed.). Paris: Phébus
الأستاذ بشر أحمد حيدار : تاريخ الصحراء الغربية و قبائلها العربية .الطبعة الاولى 2015
بوبري العروصي : جوانب من تاريخ قبيلة يكوت خلال القرنين التاسع عشر و العشرين . بحث لنيل شهادة الماستر في تاريخ الجنوب المغربي و السلطة و المجتمع و الدين . جامعة ابن زهر أكادير.
محمد دحمان، (مادة يكوت)، معلمة المغرب، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى. 1435هـ/2014م، ملحق (ج4) (27/682).
قبيلة يكوت : مركز علم و عمران للدراسات و الابحاث و احياء التراث الصحراوي التابع لرابطة المحمدية للعلماء.
طالب أخيار ولد مامينا: الشيخ ماء العينين علماء و أمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي: مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي 2005 الرباط.
فيديو رحلة ميشيل فيوشانج والحاج أحمد عيلال: