المياه المعدنية في المغرب..سلعة الحيتان لنهب جيوب الناس

تزخر المغرب بثروة مائية واسعة لكن سكانها يعانون من ارتفاع أسعار المياه المعلبة

كيف تحول الماء إلى ثروة ذهبية؟ شركات المياه المعدنية في المغرب تجيد الجواب عن هذا السؤال، التي تبيع المياه المعبأة بأثمان باهظة، فعلى الرغم من أن المغرب ليس بلدًا صحراويًا قاحلاً من المياه، إلا أنه يعرف تسليعًا جشعًا لهذه المادة الحيوية بشكل يثقب جيوب المواطنين المغاربة، الذين باتوا يقبلون على قنينات الماء المعدنية بسبب تردي جودة المياه المنزلية.

يشتري المواطنون المغاربة قنينات المياه المعدنية بأثمنة خيالية رغم وفرة الثروة المائية بالمغرب

 

سعر المياه المعدنية بالمغرب قد يفوق نظيره بأوروبا

يتوفر المغرب على 22 مليار متر مكعب من الموارد المائية العذبة، تتوزع بين %81 من المياه السطحية، و%18 من المياه الجوفية، الأخيرة التي تأتي منها المياه المعدنية، أي أن هناك 3,5 مليار متر مكعب من هذه المياه جاهزة فعليًا للاستغلال، لكن قطاع تعبئة المياه المعدنية الطبيعية والمياه المعالجة ينتج فقط 430 مليون لتر من المياه سنويًا.

إلا أن الصادم في الأمر، هو أن المواطنين المغاربة يشترون قنينات المياه المعدنية بأثمنة خيالية رغم وفرة الثروة المائية بالمغرب، حيث يباع اللتر الواحد من ماء “سيدي علي” المعدني على سبيل المثال بـ 6 دراهم، بينما قد يباع اللتر من المياه المعدنية في دول أوروبية مثلًا بأقل من ذلك، علمًا أن معدل الدخل الفردي لدى هذه البلدان يضاعف نظيره المغربي بما يفوق عشر مرات.

وهو ما ساهم في ضعف معدل استهلاك المغاربة للمياه المعدنية، إذ لا يتجاوز متوسط استهلاكهم ثمانية لترات في السنة مقابل 30 لترًا للمواطن التونسي، و100 لتر للمواطن في إيطاليا، وفي نفس الوقت يحيل ذلك إلى أن الشركات المستغلة للمياه المعدنية لا تزال تملك سوقًا واعدًا من الأرباح، ولا سيما أنه أصبح يتزايد الطلب محليًا على المياه المعدنية من طرف الطبقة المتوسطة، بفعل تردي جودة مياه الصنبور جراء سوء الخدمات العمومية المرتبطة بالمياه المنزلية.

ويبلغ إجمالي إيرادات سوق قطاع المياه المعدنية 450 مليون درهم سنويا، أي ما يعادل 39 مليون دولار، بالرغم من ضعف الاستهلاك، إلا أن الأسعار الباهظة التي تباع بها قنينات الماء المعبأة، جعلت من هذه الثروة المائية، منجما ذهبيا للشركات الخاصة.

هذا ويشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات احتجاجية بين الفينة والأخرى، تدعو إلى مقاطعة شراء المياه المعدنية، نظرًا لسعرها المرتفع بالبلد، داعين إلى احترام القدرة الشرائية البسيطة للمواطنين، خصوصًا وأن هذه الثروة الطبيعية هي ملك للشعب، وليس لأحد الحق في تملكها.

 

الخوصصة تحول الماء إلى سلعة ذهبية..

يتزايد الطلب على المياه المعدنية في المغرب للتردي جودة مياه الحنفية لذلك يعتبر المجال سوقًا واعدًا من الأرباح للخواص

تنص المادة الأولى من القانون رقم 95-10 المتعلق بالمياه في المغرب أن “المياه ملك عمومي، ولا يمكن أن يكون موضوع تملك خاص”، لكن هذا القانون لم يمنع الدولة من تفويت عيون المياه المعدنية في المغرب إلى مقاولات خاصة من أجل استغلالها، لتراكم هذه الشركات أرباحًا وفيرة وراء ثروة طبيعية عمومية حيوية كالماء.

وتسيطر “شركة أولماس سيدي علي” على نحو 60% من سوق المياه المعبأة، وتبيع مياه معدنية طبيعية (سيدي علي)، ومياه معدنية طبيعية فوارة (أولماس)، ومياه معالجة (باهية)، وهي الشركة التي تملكها مريم بنصالح شقرون رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، فيما تستغل الشركة الأورو-إفريقية للمياه (EAE ) الخاصة منذ 2010 المياه الطبيعية لقرية “بنصميم” بمنطقة أفران وتسوقها تحت اسم “عين أفران”.

وحسب جمعية “أطاك” المغربية، فإن السكان المحليين لهذه المناطق التي تتواجد بها العيون المائية المعدنية انخرطوا منذ 2010 في أشكال احتجاجية “ضد سرقة مواردهم المائية من طرف الشركات الخاصة المستغلة لهذه المياه، والتي لا تسهم في تنمية تلك المناطق، إلا أنهم دائمًا ما يتم ردعهم بواسطة أجهزة السلطة الأمنية والقضائية، ما يبين إصرار الحاكمين على ضرب الطابع العمومي لتملك المياه ومنحه للخواص” على حد تعبير الجمعية المدنية.

وفي هذا الصدد، تدعو الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إلى “تأميم جميع مصادر المياه بالمغرب بما فيها المعدنية”، باعتبار أن الحق في الماء هو ملك للجميع ولا يجوز تسليعه، ويشاطرها الرأي أزيكي عمر، كاتب عام جمعية “أطاك” المغرب، الذي يحذر من أن الرهان على الرأسمال الخاص في تدبير الموارد المائية يخلف كوارث تتضرر منها الفئات الشعبية، ولا سيما في ظل النهب والفساد المتفشي، مطالبًا “بإعادة تملك مواطني وديمقراطي لتدبير الماء”.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يتوفر على أربعة وزراء متعلقين بالماء، وهم عزيز أخنوش وزيرًا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وعبد القادر اعمارة وزيرًا للتجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، وشرفات أفيلال وزيرة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء مكلفة بالماء، وحمو أوحلي وزير الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحرى والتنمية القروية والمياه والغابات مكلفًا بالتنمية القروية والمياه والغابات، إلا أن تدبير المياه المنزلية والمعدنية يعود إلى شركات خاصة.

خالد بن الشريف

كاتب صحفي من المغرب

اترك رد