حين يتطرف الألم يصير وجعا، وحين يصير وجعا فاعلم أن ذكراه تتجدد في كل وقت وحين.. أربعون يوما بالتمام والكمال انقضت على رحيل الرجل الطيب، والدي.. أربعون يوما من الفقد لأعز الرجال، والدي.. قبل نحو عقدين من الزمن وقف الرجل الطيب وقال في رثاء سيدتنا الأولى ” إنها سيدة لا تعوض”، وآثر الصمت بعد ذاك.. ومذاك وعلى امتداد تلك السنين التي أعقبت وفاة أمي برهن أبي بما لا يدع مجالا للشك أنه قادر على تعويضها بل وأفلح في ذلك وبمراحل.. اكتشفنا أبا حنونا عطوفا معطاء محبا لعمل الخير متيما بأسرته الصغيرة والكبيرة.. كان يبهرني بتلك التفاصيل الدقيقة عند سؤاله عن الأسرة صغيرها وكبيرها.. كانت أسئلته واضحة ومباشرة وتتطلب إجابات واضحة ومباشرة.. لم تكن أسئلته لملء فراغ أو تأدية واجب بل لاستفسار حقيقي عن الأهل والديار وعن الناس.. كان الرجل يفرح فرحا كثيرا لأفراحنا وانتصارتنا وتراه يبارك لك ذلك دون ملل وكلل ويعتريه الحزن حتى لو ألمت نزلة برد بسيطة بأحدنا فتراه يبرح البيت جيئة وذهابا للسؤال والاطمئنان.. وذاك لعمري نزر يسير من خصال الرجل الطيب.. اليوم أقولها لقد جاء فقدك مزدوجا..لقد فقدنا أمنا فعلا يوم افتقدناك.. اسكنكما الله فسيح جناته وجعلكما في فردوسه الأعلى.. وحسبنا الله ونعم والوكيل..
اللهم أرحم أبي وأمي وكذا جميع أموات المسلمين والمسلمات أنك سميع مجيب.