طانطاني 24| BBC
ظل محمد سالم عبد الفتاح يتقلب يسرة ويُمنة في عوالم الأفكار قبل أن يحسم قراره.
نشأ الشاب الصحرواي في مدينة العيون. وكان اهتمامه منذ الصغر مُنصباً على الدراسة، شأنه شأن معظم أقرانه.
مع بلوغه سن المراهقة، بدأ سالم يستشعر التحولات التي شهدها المغرب، خاصة مع تولي الملك محمد السادس العرش عام 1999. وهي تغييرات كان لها تأثير عميق على مسار حياته.
في تلك الفترة، كانت دعايات البوليساريو تتردد بقوة داخل مدن الصحراء كما يذكر سالم في حديثه معنا قائلاً: “مرت البلاد بمرحلة انتقالية بعد عقود من الانغلاق عُرفت بسنوات الرصاص، وهو ما فتح النقاش حول قضايا سياسية كانت غائبة أو محظورة من قبل، وأبرزها قضية الصحراء”.
ويضيف قائلاً: “استفادت البوليساريو من هذا الانفتاح السياسي وأطلقت دعاية قوية وظفت فيها الفن والشعر، واستخدمت لغة قريبة من هموم الناس، وركزت على قضايا اجتماعية هامة مثل البطالة والتهميش الاقتصادي”.
انجذب سالم لذلك الخطاب الذي دفع به مبكراً نحو دعم جبهة البوليساريو، ليصبح ناشطاً في صفوفها ومروجاً لأفكارها عبر نشاطه ككاتب إعلامي ضمن ما يسميه بـ “بوليساريو الداخل” حتى قرر الانتقال إلى مخيمات تندوف في 2004.
بمجرد وصوله إلى المخيمات، التحق بوزارة إعلام البوليساريو وتولى إعداد العديد من البرامج الإذاعية.
واستقر سالم في مخيم الرابوني، الذي يعد المركز الإداري لجبهة البوليساريو، لكنه كان يتردد أيضاً على مخيمات أخرى لزيارة أقاربه الذين التحقوا بالمخيمات في وقت مبكر من عمر الصراع .
لكن الواقع الذي عاشه في المخيمات ناقض كل توقعاته.
إذ يقول “كانت الرقابة الشديدة، والفوارق الطبقية بين القيادات وبقية السكان واضحة للعيان. بدأت أكتشف أن الشعارات الثورية التي تروج لها البوليساريو ضد الرجعية والقبلية لا تتماشى مع ممارساتها التي كانت رجعية وتقليدية واستخدمت العصبيات السياسية والشوفينية لتحقيق مصالحها.”
مدفوعاً بالأمل في التغيير، انخرط سالم في حركات داخلية ناقدة للوضع القائم. ورغم أن انتقاداته كانت محدودة، إلا أنها وُوجهت بشراسة، على حد تعبيره.
في عام 2015، عاد سالم إلى المغرب بعد أن “أدرك عجز البوليساريو عن الإصلاح”، إذ يقول “عدت وأنا أحمل صراعاً داخلياً عميقاً بين قناعاتي السابقة ومحاولات لإيجاد حلول جديدة”.
في النهاية، اقتنع بأن الحل في إطار السيادة المغربية، مؤكداً أن قراره لم يكن استسلاماً بل نتيجة مراجعات فكرية.
ويقول: “توصلت إلى قناعة بأن مشكلة الأقاليم الجنوبية أعمق من مجرد قضية البوليساريو، وأن المجتمع هناك، بسبب عوامل تاريخية، ربما ليس مؤهلاً للحكم الذاتي الكامل ولا يمكنه الانفصال عن الدولة المغربية. فلم يُتح لهذا المجتمع عبر التاريخ فرصة طبيعية للانتقال من البداوة إلى المدنية، بفعل الاستعمار الإسباني الذي كرّس الفاشية ولم يشجع على بناء مؤسسات حقيقية”.
رابط المقال كاملا :
https://www.bbc.com/arabic/articles/ckg07xn8rrzo