اعتقد أن النقاش حول الإصلاحات المتوقعة
في مدونة الأسرة في هذه الفترة مجرد تحصيل حاصل بعد أن رفعت المقترحات للجهة المخولة لها تقديم الصيغة النهائية لمدونة الأسرة الجديدة، فقد استمر النقاش حولها منذ ما بعد دستور 2011 بعد أن تم رصد نقاط ضعف كثيرة في مدونة الأسرة لسنة 2004،
وترتبط النواقص التي تم رصدها إما بسوء التنزيل أو بصياغة القوانين التي تركت باب التأويل مفتوحا أمام القضاة الذين لم يكن أغلبهم على مستوى تطلعات وانتظارات الحركة النسائية والحقوقية من المدونة رغم كونها متقدمة حين صدورها.
ويرجع ذلك بالأساس إلى انعدام التكوين في ثقافة حقوق الإنسان لديهم، لذلك استمروا في تطبيق أحكام هذا القانون بعقلية ذكورية لا تستحضر المتغيرات الوطنية والدولية.
إضافة إلى مشاكل التنزيل هناك نقص الموارد البشرية المؤهلة في قضاء الأسرة وقد أشار الملك محمد السادس في خطاب 2022 إلى ضرورة توفير المواد البشرية اللازمة لتنزيل المدونة، في هذا الإطار نادت الكثير من الفعاليات إلى ضرورة فصل مؤسسة الوساطة، أثناء الطلاق مثلا، عن المحكمة وإسنادها إلى مختصين في مجال فض النزاعات وأخصائيين نفسيين ومتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وطبعا تم رصد مشاكل عدة بسبب فصل الولاية الشرعية عن الحضانة، نتج عنها عدم مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال وضياع حقوقهم بسبب انعدام حس المسؤولية والوعي لذا أحد الأبوين او كلاهما، حين تتحول حقوق الطفل إلى وسيلة للضغط على الطرف الآخر لتحصيل مصلحة الأب أو الأم على حساب مصلحة الطفل.. ومسألة النفقة من المشاكل المستعصية إذ يفترض إيجاد حلول لضمان حقوق الأطفال فيها حين امتناع الأب عن أدائها
ويجب إعادة النظر في حكم السجن على المنتنع عن أدائها، ذلك أن الطفل لا يستفيد شيئا من سجن والده بل على العكس تماما، لذلك اقترحت شخصيا في منابر متعددة أن تتدخل الدولة كطرف لحل مشكلة النفقة بان تكفل حق الطفل بأدائها من صندوق يخصص لهذا الشأن، أو تتكفل بتحصيلها بشكل أو بآخر دون اللجوء إلى العقوبة السجنية التي تجعل المرأة في موقف حرج أمام أبنائها وأمام المجتمع حين ترفع دعوى على طليقها المنتنع عن الأداء.
من بين النقط كذلك مسألة زواج القاصرات حيث أصبح مطلب تحديد نص قانوني صريح يمنع هذا الزواج، مطلبا ملحا بسبب سوء استعمال القضاء للسلطة التقديرية الممنوحة للقاضي لإعطاء الموافقة على زواج القاصر بشكل استثنائي ليصبح للأسف هذا الإذن هو القاعدة.
من بين النقط الخلافية كذاك مسألة التعدد، وحرمان الام من الحضانة في حالة زواجها مرة ثانية، ونقطة اقتسام الأموال والممتلكات المتحصلة من كلا الطرفين ما بعد الزواج، في هذه النقطة بالذات نادينا بشكل شخصي بتثمين العمل المنزلي واعتباره مساهمة مهمة في ما تم تحصيله او اكتسابه أثناء فترة الزواج.
لكن يبدو أن النقطة التي يتمحور حولها الخلاف الآن هي مسألة الإرث، حين يعتبر الحقوقيون والتقدميون آن الأوان قد حان لإقرار المساواة في الإرث بشكل عام، ويحرص الوسطيون منهم على التأكيد ان الإصلاح يجب أن يشمل إلغاء التعصيب في الإرث فقط كمرحلة أولى لأسباب موضوعية ؛ أولها أن المجتمع غير مستعد لإصلاح شامل لنظام الإرث، ثانيا لأن المؤسسة الملكية تحرص دوما حين إطلاق ورش إصلاح مدونة الأسرة على تسطير الحدود من خلال ما ورد في خطب الملك محمد السادس الذي أكد في خطاب سنة 2001 كما في خطاب 2022 على أنه بصفته أميرا للمؤمنين لن يحل حراما او يحرم ما أحل الله.
لهذا بالذات أجد تأليب بعض المتشددين من المحافظين المجتمع ضد الإصلاح بدعوى أنه خروج عن الدين وإفساد للمجتمع من خلال ضرب الأسرة، أجده شخصيا يدخل في إطار مزايدات تهدف بالأساس إلى إثبات الوجود من خلال حشد الأنصار ليس إلا، لأن المؤسسة الملكية أكثر حرصا على المرجعية الدينية باعتبارها أساس وجود واستمرار إمارة المؤمنين…
وهو الأمر الذي يتغافل عنه كذلك الإتجاه الراديكالي من التقدميين الذين ينادون بفصل المدونة عن المرجعية الدينية التي يرونها متناقضة مع مباديء حقوق الإنسان، دون أن يستحضروا في مطالبهم أن النظام السياسي بالمغرب قائم على المرجعية الإسلامية.
والأكيد أن المتغيرات السويوثقافية التي عرفها المجتمع المغربي منذ بداية الألفية الثالثة تجعله مستعدا للمرور لمرحلة ثانية أكثر تقدمية في الإصلاح، فقد أصبحت المرأة المغربية أكثر حضورا وغَدَت شريكا حقيقيا في رعاية الأسرة وإعالتها وانضاف الى مسؤولياتها المعنوية في تربية الناشئة مسؤولية مادية بعد أصبحت النساء معيلا لأسرهن وعائلاتهن.
ولا يمكن تجاهل مشاركتها في التنمية رغم الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الخصوص من خلال ولوجها إلى سوق الشغل وممارستها لكل المهن وتأسيسها مقاولات ساهمت في خلق فرص للشغل.
كما أصبحت حاضرة في كل المحافل الدولية تمثل المملكة المغربية أحسن تمثيل وتحصد الجوائز والميداليات في التظاهرات الرياضية والثقافية والدينية.
إن الأسرة السليمة الناجحة لا تقوم فقط على المرجعية الدينية بل تتاسس بشكل أكبر على القيم الأخلاقية والمبادئ وحس المسؤولية والإلتزام، لذلك نجد نماذج ناجحة في دول لا تدين بالاسلام مثل اليابان مثلا. وعموما أثبت التجربة ان إصلاح المدونة جاء لصالح الأسرة التي كانت ومازالت بخير، يشهد بذلك جحافل الشباب الذين هبوا لدعم ضحايا زلزال الحوز وقدموا للعالم نموذجا راقيا للتكافل والتضامن قل نظيره، وتظهر سلامة الأسرة المغربية في أطفالنا وشبابنا الذين يحصدون جوائز حفظ القرآن في العالم الإسلامي لكل الفئات ذكورا وإناثا، كما تظهر في الإنجازات الرياضية غير المسبوقة للشباب المغاربة ذكورا أبطال العالم في الفوتصال وألعاب القوى … وإناثا كأول فريق عربي أمازيغي يصل إلى كأس العالم لكرة القدم للنساء، وبطولة العالم في الملاكمة.. وأبطال افريقيا في الرياضيات ذكورا وإناثا… وغيرها الكثير من الإنجازات التي يستحيل أن تتحقق دون جو اسري سليم
وأكثر تجليات هذه السلامة، حضور المرأة المغربية في كأس العالم بقطر والصورة المشرفة التي قدمتها الأم المغربية للعالم..

طانطاني 24| زينبة بن حمو