محمد إنفي
ما كنت لأخوض في مثل هذا الأمر لو لم تتوفر لي بعض المعطيات التي تسمح بإمكانية القيام ببعض الاستنتاجات واستخلاص بعض الحقائق التي تفسح المجال للوصول إلى اليقين أو ما يشبه اليقين. وبما أن الأمر كذلك، فقد ارتأيت أن أشرك القارئ الكريم في هذا الاكتشاف الذي، وإن كان لا غريبا ولا عجيبا في وضعنا المغربي، فإنه يجعلك تنتقل، في حكمك على الأشياء، مما هو افتراضي أو تخميني إلى ما هو واقعي وحقيقي؛ أي في حكم المؤكد ؛ وذلك لكون مثل هذا الاكتشاف يميط اللثام عن بعض التفاصيل وبعض الأشياء الدقيقة التي تكون حاسمة في كشف بعض الخبايا وبعض الخصوصيات.
فأسباب نزول هذا المقال تعود، إذن، لما اكتشفته من أسرار تتعلق بتوقف بعض منابر الإعلام الإليكتروني عن نشر مقالات الرأي التي أساهم بها، بكل تواضع، في قراءة الوضع السياسي والاجتماعي وفي إبداء الرأي في بعض القضايا التي تهم الرأي العام الوطني أو الرأي العام الحزبي، وغير ذلك المواضع التي تثير اهتمامي.
أعترف أن ولوجي لعالم الإعلام الإليكتروني، ككاتب رأي، تم بشكل متأخر؛ إذ لم أنشر أول مقال لي إلا في أواخر سنة 2012. وقد كان ذلك في جريدة “لكم”.
وبعد هذا الفتح واكتشافي للإمكانيات التي يتيحها هذا العالم، بدأت أبعث مقالاتي لكل الجرائد الإليكترونية التي استطعت الحصول على عناوين بريدها الإليكتروني (وقد وصل عددها اليوم إلى ما يقارب المائة)؛ ثم بعد ذلك، كنت أتابع الأمر لمعرفة ما هي الجرائد التي نشرت المقال وتلك التي لم تنشره. وهكذا، وضعت لنفسي طريقة للتعامل مع كل جريدة على حدة. فالجريدة التي تتوصل على الأقل بثلاث مقالات متتالية ولا تنشر منها أي واحد، أستنتج من ذلك أن كتاباتي لا تناسب خطها التحريري أو توجهها الإيديولوجي؛ وبالتالي، أكف عن مراسلتها.
أما الجرائد التي تنشر لي (أو تلك التي كانت تنشر لي)، فيمكن تقسيمها إلى فئتين: فئة تنشر كل المقالات التي تحمل اسمي بدون استثناء، وفئة تنشر، من حين لآخر، هذا المقال أو ذاك؛ مما يعني أنها تنتقي ما يناسب خطها التحريري أو توجهها الفكري وتترك الباقي.
وما استرعى انتباهي في هذا المسير، هو أن بعض الجرائد، وبالأخص تلك التي كانت تنشر لي بدون قيد أو شرط، قد توقفت فجأة عن النشر، ولأسباب ظلت مجهولة إلى حين. وسوف تتولى الأيام مهمة الكشف عن بعضها.
لا شك أن لهذا التغير في التعامل أسبابا مختلفة؛ ويأتي في مقدمة هذه الأسباب التعليمات الخارجية(أي من خارج المنبر الإعلامي) وكذا التغييرات التي تحدث في إدارة التحرير، كما سأبين ذلك عند التطرق للنموذجين الواردين في عنوان المقال.
لكن هذا لا يعني أن الأمر يخص المنبرين الواردين في العنوان أعلاه وحدهما. فمن خلال تتبعي للموضوع- وباستثناء بعض الجرائد التي إما اختفت نهائيا عن الصدور وإما غيرت عنوان بريدها الإليكتروني أو، ربما، أخضعت عنوان بريدي الشخصي “للبلوكاج”(وهذا ما يفهم من الرسائل التي أتوصل بها في بريدي الإليكتروني، ومفادها أن مقالي لم يتم تسلمه من الجهة التي وُجِّه إليها)-، تبين أن هناك عدة منابر كانت تنشر لي باستمرار، ثم توقفت فجأة، دون أن يحدث شيء مما ذكرت بين العريضتين في هذه الفقرة.
وفي هذه الحالة، يبقى احتمال صدور تعليمات من جهة سياسية معينة واردا وبقوة؛ كما أن حدوث تغييرات على مستوى إدارة الموقع الإليكتروني قد يؤدي إلى نفس النتيجة؛ أي التوقف عن نشر مقالات الرأي التي لا تلائم توجهات الإدارة الجديدة ولا تخدم حساباتها الخاصة.
ومن الجرائد التي توقفت عن نشر مقالاتي، وبصفة نهائية، بعد أن نشرت لي عشر (10) مقالات، ما بين 21 مارس 2013 و31 ماي من نفس السنة ، جريدة “هسبريس”. وقد استغربت الموضوع، في البداية، خاصة بعد أن بعثت لها، تباعا، ثلاث مقالات مواضيعها مختلفة، ولم يتم نشر أي منها؛ وهو ما جعلني أشك في الأمر، خاصة وأن مبرر عدم النشر بسبب موضوع المقال، لم يعد قائما. ولذلك، فكرت في مراسلة إدارة الجريدة حول هذا الموضوع وختمت رسالتي بالقول: ” أتمنى أن لا يكون السبب هو أنا شخصيا”. ثم استمرت في إرسال المقالات؛ لكن دون جدوى.
وبمناسبة إحدى الندوات التي نظمتها الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بمكناس حول القضية الوطنية، وعلى مائدة العشاء، سألتني أخت وصديقة كانت تنشر مقالاتها في نفس المنبر، عن سبب عدم استمراري في النشر بجريدة ” هسبريس”؛ أخبرتها بالأمر، فاقترحت علي أن أبعث إليها بمقالاتي وستتكلف هي بالموضوع مع إدارة الجريدة، نظرا لجودة علاقتها مع بعض أفرادها.
ورغم اقتناعي بأن في الأمر سرا وأن الجريدة قد صكت أبوابها في وجهي، فقد بعثت للصديقة ما لا يقل عن خمس مقالات؛ ولم يجد أي منها طريقه إلى النشر. ولما جمعتنا بالرباط مناسبة أخرى (أعتقد أنها ذكرى 11 يناير)، عبرت لي الصديقة المذكورة عن استغرابها للأمر. وتوقفت المسألة عند هذا الحد.
لكن، في أحد الأيام (لا أتذكر تاريخ ذلك) وفي مقهى من مقاهي مكناس، كنا، نحن مجموعة من الأصدقاء، نتبادل أطراف الحديث فيما بيننا حول كل شيء ولا شيء، كما يحدث عادة في مثل هذه الفضاءات؛ وخلال ذلك اللقاء، أشار أحدهم باستحسان إلى أحد مقالاتي، معتقدا أنه قد قرأه بموقع “هسبريس”؛ ولما أخبرته بموقف الجريدة مني وامتناعها عن نشر مقالاتي، تدخل أحد الأصدقاء ووعدني بالبحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، بواسطة أحد أقربائه، الذي تربطه علاقة صداقة مع بعض أعضاء إدارة تحرير الجريدة المعنية.
لم أعر كبير اهتمام للموضوع، خاصة وقد حدث نفس الشيء مع منابر أخرى، ولم أبذل أي مجهود لمعرفة السبب. لكن، بعد شهور عن هذا اللقاء، وصل إلى علمي أن الصديق المشار إليه في الفقرة أعلاه والذي لم تتح لي فرصة مصادفته بالمقهى المعلوم، قد أخبر بعض الأصدقاء بسبب صك أبواب “هسبريس” في وجه مقالاتي: إنها تعليمات الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، السيد محمد نبيل بنعبد الله؛ وقد وجهها لشخصين في إدارة التحرير ينتميان للحزب؛ وذلك بسبب انتقادي لحكومة بنكيران.
ومرت شهور وشهور على هذه النازلة، قبل أن أكتشف حالة أخرى؛ وهذه المرة، يتعلق الأمر بتصفية الحسابات الشخصية. وقبل هذا الاكتشاف، لم يكن بوسعي سوى الاستغراب من توقف “الصحيفة نيوز” عن نشر مقالتي؛ وهي التي كانت تنشرها حتى قبل أن تصلها مني. فكم من مرة فاجأتني بالنشر قبل أن يصل دورها في الإرسال الذي كنت أقوم به على دفعات. وقد دام هذا الوضع (أي عدم فهم أساب توقف نشر مقالاتي) عدة شهور.
وسوف لن أكتشف سر هذا التوقف إلا يوم 20 غشت 2017، حيث نشر الموقع المذكور في هذا اليوم بالذات مقالا رئيسيا بعنوان “سابقة من نوعها: جريدة الاتحاد الاشتراكي أمام القضاء في زمن لشكر”.
وبما أن الموقع متوقف حاليا ولا يمكن الوصول إلى المقال المذكور، ارتأيت أن أورده، هنا، كاملا وبكل أخطائه الكثيرة والمتنوعة، حتى تظهر، من جهة، سوأة الصحافي والموقع معا؛ ومن جهة أخرى، لتمكين القارئ من إدراك سبب حديثي عن تصفية الحسابات الشخصية، خاصة بعد أن أقدم له بعض المعطيات المتوفرة:
“الاتحاد الاشتراكي الجريدة التي كان القارىء المغربي يرتمي بين صفحاتها ليجد القلب النابض للمجتمع يحكي عن واقع القوات الشعبية تحولت الى جريدة تحكي بلسان قيادة العرعار و توجه الراي العام بطريقة اوباخرى و تخدم الاجندة السياسية لادريس لشكر دون ان تنصف أصوات المعارضة داخل الحزب ، أحداث المؤتمر العاشر للحزب افاضت الكأس و خلفت ضجة بين المناضلين حول المقال الذي جاء في عدد 11637 بتاريخ 24 ماي 2014 و الذ ورد فيه اتهام احد المناضلين داخل الحزب المدعو رشيد بوزيت اتهم هذا الأخير بالبلطجة مما دفع به الى التوجه الى القضاء و رفع دعوة قضائية التي حددت لها اول جلسة يوم 17 شتنبر2017 بالمحكمة الابتدائية بانزكان
استنكر مجموعة من المناضلين هذا الفعل و اعتبروه مسيء للحزب و للجريدة التي لطالما كانت الصوت النابض الذي يوصل صوت المناضلين عوض اتهامهم و قدفهم جراء اختلافهم مع قائد العرعار وقد تفاعل مجموعة من المناضلين بصفحات التواصل الاجتماعي و عبرو عن تضامنهم اللا مشروط مع الاتحادي رشيد بوزيت حبث جاء على لسن احدهم ان فوضى الجريدة تعبر عن الفوضى الحقيقة التي يعيشها الحزب الذي كان مدرسة تربي الاجيال على قيم الاختلاف لكن للأسف دفنت لغرض في نفس يعقوب” .
لن أتحدث عن التحامل الواضح على قيادة الحزب بعد فشل محاولة عرقلة انعقاد المؤتمر العاشر للاتحاد الاشتراكي؛ ولن أتحدث عن العنوان الذي اعتبر محاكمة جريدة “الاتحاد الاشتراكي” بسبب كلمة “بلطجة”، “سابقة من نوعها”؛ وفي هذا القول (أي سابقة من نوعها) إما مغالطة مفضوحة وإما جهل مدقع بتاريخ الصحافة الاتحادية (فجريدة “الاتحاد الاشتراكي” تعرضت لعدة محاكمات؛ والسابقة الوحيدة هي المتمثلة في هذه النازلة التي نحن بصددها؛ ذلك أن الدعوة رفعها هذه المرة ضد الجريدة شخص يدعي الانتماء إلى الاتحاد الاشتراكي وإلى المدرسة الاتحادية).
وسواء كان الحديث عن السابقة تغليطا ومغالطة أو جهلا بتاريخ الصحافة الاتحادية، فإن ذلك لا يشرف الموقع ولا من يديره.
لقد أثار المقال المذكور فضولي وأردت استكشاف أسباب التحول الذي طرأ على توجه الموقع، خاصة وأنني كنت، من حين لآخر، أجد به كتابات متحاملة على القيادة الحزبية، إضافة إلى عدم نشر مقلاتي كيفما كان موضوعها. وكما يقول المثل: “إذا ظهر السبب بطل العجب”.
لقد اكتشفت أن المدعو “مراد راحيوي”، هو الذي أصبح مديرا للموقع (ولا أدري من كان قبله). وهنا فهمت كل شيء.
لقد سبق أن تعرفت على هذا الشخص خلال جنازة أحد المناضلين؛ ولعلها جنازة الأخ “محمد جسوس” رحمه الله، إذا لم تخني الذاكرة. وقد عرَّفني به أحد الإخوة (الذي لا أتذكره الآن) وقدمه لي كصحافي بموقع “التحرير بريس” القريب من الاتحاد الاشتراكي؛ وقد تم هذا التقديم وهذا التعارف العابر بهدف تعريفي بالموقع(الذي لم يكن لي علم به قبل هذا اللقاء) من أجل النشر به.
وفعلا، أخذت البريد الإليكتروني للمعني بالأمر وبدأت أبعث إليه بمقالاتي التي كانت تنشر بالموقع وبسرعة، لدرجة أن بعض قرائي في جريدة الحزب الورقية (“الاتحاد الاشتراكي”) أثاروا الموضوع مع إدارة تحريرها، معتقدين أنها تتأخر في نشر مقالاتي، مما يجعلها، في رأيهم، تفقد أهميتها بسبب النشر الإليكتروني السريع.
لم أكن أعلم أن مدير موقع “التحرير بريس” (ولست متيقنا من هذه المعلومة) كان، آنذاك، هو “حسن لشكر”، نجل الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ولم تحصل لي أية معرفة مباشرة بإدارة الموقع ولم تكن لي أية دراية بالعلاقات السائدة بين أفرادها؛ ذلك أن صلتي بالموقع لم تتجاوز حدود الإرسال الإليكتروني؛ كما أنني لا أعلم لا متى ولا كيف غادر الاثنان إدارة الموقع.
لكن، يبدو أن أشياء كثيرة قد تغيرت بعد لقائي الأول والأخير مع “مراد راحيوي”. فهذا الأخير لا يفوت أدنى فرصة ولا أتفهها، بعد أن أصبح مديرا لموقع “الصحيفة نيوز”، لمحاولة النيل من قيادة الاتحاد الاشتراكي. وهذا واضح من التوجه الجديد للموقع المذكور الذي لا يخفي عداءه للقيادة الاتحادية في شخص الأستاذ “إدريس لشكر”.
وهو ما يفسر احتفاءه بحماسة زائدة عن اللزوم بالقضية التي رفعها المدعو “رشيد بوزيت” أمام محكمة “إنكان”، ضد كل من “محمد إنفي” و”عبد الحميد جماهري” و”الحبيب المالكي” و”إدريس لشكر”(انظر التفاصيل والتوضيحات في مقالي بعنوان “البلطجة والابتزاز ملة واحدة”، موقع “إكسير”، صفحة محمد إنفي).
من المؤسف أن تسقط منابر إعلامية لها وزنها ولها قيمتها عند القراء وعند كتاب الرأي في مثل الممارسات التي ذكرت بعضا منها وأفضت في توضيح دوافعها؛ وفي مقدمة هذه الممارسات الرضوخ للتعليمات والنزوع نحو تصفية الحسابات الشخصية. وهي ممارسات تخل بالمهنية وتسيء لأخلاق المهنة.
ولا يفوتني، في ختام هذا البوح، أن أعبر عن عرفاني وتقديري وامتناني لكل المنابر التي تنشر لي إما باستمرار أو من حين لآخر، حسب موضوع المقال. وأعبر، بنفس المناسبة، عن احترامي للمنابر التي لم تنشر لي يوما مقالا واحد، إما لموقفها مني كشخص أو لعدم تلاؤم ما أكتب مع خطها التحريري.
بالمقابل، فبقدر ما أتأسف عن اختفاء بعض المنابر التي كانت مشرعة أمامي بكل أريحية، بقدر ما أتفهم موقف تلك التي توقفت، لهذا السبب أو ذاك، عن نشر مقالاتي، التي تبقى مجرد تعبير عن رأي؛ والرأي لا يلزم إلا صاحبه.