المغرب.. مابعد الكورونا.

-رشيد نيني-

يستعد العالم خلال الشهرين المقبلين للمرور إلى اعتبار كوفيد 19 بعد متحور أوميكرون مجرد أنفلونزا موسمية، هذا إذا لم تظهر متحورات جديدة يمكن أن تقلب المعادلة. كما أن هناك حديثا في أكثر من دولة عن عودة سريعة للحياة العادية لإنقاذ الاقتصاد واستمرارية سلاسل الانتاج.

بمعنى أن العالم سيمر من مواجهة الأزمة الصحية إلى مواجهة أزمة أخرى أقوى وأخطر هي الأزمة الاجتماعية.

خلال السنتين الماضيتين تضررت الطبقات الهشة بشكل كبير بسبب تداعيات الإغلاق وتضررت سلاسل الانتاج وانقرضت مهن عديدة وخرج مئات الآلاف من العاملين من سوق الشغل لتدعيم صفوف العاطلين عن العمل.

وهذا ما يفسر ارتفاع تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج لأفراد أسرها المقيمة بالمغرب، فهذا الارتفاع ليس مرده أن الجالية أصبحت مرتاحة ماديا بل لكون أهالي الجالية بالمغرب زادت احتياجاتهم بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة والعجز عن الادخار.

وفي المغرب حيث الهشاشة بنيوية توسعت الفوارق الطبقية وانهار جزء من الطبقة الوسطى نحو حافة الفقر، بسبب ارتهان نسبة كبيرة من اليد العاملة للقطاع السياحي والنشاطات المرتبطة به. في مناطق الرشيدية وورزازات ونواحيهما مثلا اضطر أصحاب مقاولات وشركات النقل السياحي لبيع سياراتهم رباعية الدفع لكي يتمكنوا من سداد أقساط قروض البنوك. وهناك وحدات فندقية كاملة أفلست وسرحت مستخدميها وفقدت زبائنها ربما لسنوات طويلة. ناهيك عن الشركات والمقاولات التي تحتضر ببطء بسبب إغلاق الحدود. ولكي يضيف البنك الدولي حبة الفراولة فوق الحلوى توقع هذا الأخير تراجع نمو الاقتصاد المغربي خلال العام الحالي إلى 3.2 % مقابل 5.3 % خلال العام الماضي.

في المدن الأزمة الاقتصادية تظهر معالمها بشكل أوضح، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد المتسولين فهناك ارتفاع لمنسوب التوحش لدى شباب الأحياء المهمشة بحيث أصبحوا لا يتورعون عن مهاجمة الأحياء الراقية مسلحين بالسيوف، مثلما حدث قبل أسبوع عندما هاجمت عصابة أغلب أفرادها قاصرون حي أكدال وديكارت بالعاصمة وتسببوا في ذعر كبير لأصحاب المحلات التجارية التي اقتحموها ونهبوها.

في الأحياء الشعبية للمدن الكبرى وحتى الصغرى يكاد يعيش المواطنون سيناريوهات مشابهة لما حصل في أكدال، لكن لا يتم تداول ذلك بشكل واسع، لكن السكان يشتكون من إحساسهم بالخوف على أبنائهم وعلى أنفسهم من سيوف وخناجر العصابات التي تعترض الطريق، والتي لم تعد توفر حتى أفراد الأمن الذين كاد يفقد أحدهم أمس في سلا يده بضربة سيف.

والحقيقة أن هذا الوضع ليس ناتجا عن الجائحة وحدها، فقد كانت عناصره متوفرة طيلة العشر سنوات التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية الحكومة، بحيث أن عصابات القاصرين الذين يروعون المواطنين اليوم هي نتاج فشل المدرسة العمومية خلال العقد الأخير.

كما أن روائح الفساد بالفضاء الجامعي التي بدأت تزكم الأنوف اليوم هي نتاج سياسة الوزراء في التعليم العالي، بحيث تفرغوا لتنصيب الموالين لهم في مناصب المسؤولية الجامعية مقابل إغلاق العين عن الفساد الذي كان ينخر مفاصلها.

اليوم ليس هناك وقت للتباكي على الأطلال بل يجب المرور بسرعة إلى مرحلة الكي في العلاج، وإلا سيكون صانعو السياسات العمومية بالمغرب أمام مشكلات اجتماعية عويصة ومكلفة على مستوى الاستقرار السياسي.

وإذا كانت مصالح الأمن تتفاعل بسرعة وفعالية مع شكايات المواطنين وتتصدى لهؤلاء الخارجين عن القانون وتعتقلهم، كما فعلت مع عصابة أكدال، فإن المجهود الأمني يظل بمفرده غير كاف طالما لم تسايره سياسة جنائية متفاعلة مع تطور الجريمة وتطوير للمؤسسات السجنية وإعادة النظر في وضعية حراس وموظفي السجون بما يتناسب وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم. فرمي المؤسسات الأخرى لكل شيء في مرمى قوات الأمن وتقديم استقالتها من تحمل المسؤولية في مواجهة هذا المد الإجرامي فيه إنهاك للمؤسسة الأمنية.

إن الحل الوحيد لوقف نزيف هذا التوحش الذي ينزع نحوه المراهقون هو التعليم. لأنك عندما تفتح مدرسة فإنك تغلق سجنا، وعندما تخلق فرص العمل لأبناء الشعب تجنبهم الذهاب إلى السجون. واليوم في المغرب يذهب إلى السجون أكثر الجانحين الذين هم في سن 16 و17 سنة. ولعل السبب الرئيسي في ارتكاب هؤلاء الجانحين لكل هذه الجرائم التي تؤدي بهم إلى الاعتقال المبكر هو الإدمان. وعندما نقول الإدمان فإننا نقصد تحديدا الإدمان على المخدرات، الحشيش، القرقوبي، الإكستازي، الكالة، المعجون، وما إلى ذلك من أصناف الدوخة التي أصبح أبناء وبنات المغاربة واقعين تحت تأثيرها المدمر.

إن الجريمة إذا لم يتم القضاء عليها في مهدها، فإنها تكبر وتنتشر. وهذا ما تعاني منه مدن المغرب قاطبة، خصوصا مع مراهقين يحملون سيوفا أكبر منهم ولا يتورعون عن طعن ضحاياهم في أماكن مميتة من أجل هاتف أو حقيبة يد متأثرين بما يستهلكونه من محتويات على منصة نيتفليكس وتطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي.

إن الذين يخططون للسياسة الجنائية بالمغرب، والذين يعدون دراسات حول وضعيات السجون لكي يعززوا بأرقامها المهولة تقاريرهم السنوية، يجهلون أن هناك في المغرب اليوم ما تمكن تسميته ثقافة الصعلكة الناتجة عن الإدمان والفقر والبطالة والانقطاع المبكر عن الدراسة، ومع هذه الجائحة فالوضعية استفحلت.

جائحة كورونا لم تكن سوى موجة التسونامي العاتية التي ضربت اقتصاديات الدول، اليوم يعيش العالم تراجع الموجة مع كل ما سوف تتسبب فيه من تجريف للاقتصادات الهشة التي تعيش على الاستيراد.

هذا الوضع المحتقن والمنذر بالانفجار يفرض على دولة كالمغرب تسريع مشروع السيادة الطاقية والاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي والدوائي، حتى لا نبقى مرتهنين للأسواق العالمية.

يجب أيضا تسريع تنزيل مخطط “صنع في المغرب” والعمل على إعادة الثقة للمغاربة في منتجاتهم الوطنية، عبر ضمان الجودة أولاً وأيضا عبر حملات إعلامية مستمرة مثلما تفعل فرنسا وإسبانيا منذ حوالي سنة مع منتجاتها الوطنية. كما تجب العودة للحملات التحسيسية في الإعلام بأهمية المحافظة على الطاقة وتشجيع المغاربة على استعمال الطاقة الشمسية ومنح مساعدات لكل من يرغب في ذلك.

والدول التي توقعت هذه الأزمة، مثل المغرب، انفتحت قبل أكثر من عشرين سنة من اليوم على أنواع جديدة من الطاقات البديلة كالهيدروجين والطاقات المتجددة إضافة إلى توقيع اتفاقيات للتنقيب عن الغاز مع كبريات الشركات البريطانية، واليوم نحن محتاجون أكثر من أي وقت مضى لتسريع هذا المخطط الذي سيضمن للمغرب سيادته الطاقية وبالتالي استقلالية قراره السياسي في عالم تبيت حكومات دوله على مواقف وتصبح على أخرى من أجل شحنة غاز أو براميل نفط.

رشيد نيني -بتصرف

اترك رد