نبدة تاريخية عن السينما بالطانطان (الجزء الثالث )
سينما الصحراء (النسخة الأخيرة )


كانت سنة 1969مميزة بالنسبة لي و مفيدة بالنسبة لمعلوماتي عن السينما بالجنوب بصفة عامة. فبغض النظر أنها عرفت بناء قاعة جديدة للعرض السينمائي بمواصفات مقبولة فإنها كذلك عرفت اكتشافي أن أكادير ليست المدينة الوحيدة التي توجد بها قاعات سينمائية بالمواصفات الدولية و من النوع الجيد و الراقي بالجنوب حيث يمكنك مشاهدة أفلام ملونة ذات جودة عالية و بتقنية تسمى تكنوكولور Technicolor .


لم تكن هذه القاعات معروفة عند اغلب أهل الجنوب لكونها تقع في مناطق خاضعة للإستعمار الإسباني .بعد انتهاء الموسم الدراسي ، ذهبت إلى كليميم لقضاء عطلة الصيف كالعادة و في آخر يوم من يونيو و بينما كنت أتجول وسط المدينة إذا بشخص يدعى “البراح ” يحث الناس على الذهاب إلى مدينة سيدي إفني التي كانت قد استرجعت لتوها إلى حضيرة الوطن .كان يؤكد للجميع أن الحافلات موجودة و بالمجان .لم أتردد حينها و استقلت إحداها لاستكشاف هذه المدينة التي سمعت عنها الكثير عندما كنت أزور ديار الأجداد بأيت أيوب قرب منطقة مستي .لم أكن أتصور أن وراء تلك التلال توجد مدينة جميلة تعتبرها كل قبائل أيت بعمران و إلى الآن عاصمة لهم. لم أصدق ما رأته عيناي في البداية و زادني ذلك حماسا لأكتشف مدينة جميلة ،نظيفة كأنها جزء من عالم آخر و بها قاعتين رائعتين للسينما .

كل شيء جميل بسيدي إفني:المقاهي،المحلات التجارية،الفضاءات العمومية و المناطق الخضراء و أخيرا الهندسة المعمارية ذات الطابع الإسباني التي بنيت بها المنازل و المرافق العمومية.عدت لزيارة المدينة عدة مرات مع صديقي عالي السباعي و مع عمي رحمة الله عليهم و استمتعت بتلك الزيارات الخاصة لمشاهدة أفلام بالألوان و بجودة عالية إلى أن مر بنا ذات يوم ابن عمتي حسن الدرهم و ابن عمه عبد الخالق الدرهم رحمه الله قادمين من الدار البيضاء و متجهين إلى مدينة العيون لزيارة أهلهم .رافقتهم إلى الطانطان وبعد استراحة وانتظار يوم ذهاب الشاحنات الى “لكروشي ” أي الحدود مع الجانب الإسباني طلبت الإذن من أبي لمرافقتهم وكان لي ما أريد لأكتشف مدينة أخرى بالجنوب لا تقل جمالا عن سابقتها و أكتشف قاعتها السينمائية و مسبحها الكبير الذي كنا نذهب إليه يوميا للإستجمام و الإستمتاع بمرافقة المختلفة .

استمتعت كثيرا بمشاهدة أفلام من كل الأصناف باللغة الإسبانية التي لم أجد صعوبة كبيرة في فهمها و ذلك لقربها من اللغة الفرنسية. من بين الأفلام التي شاهدتها عدة مرات و لم انساها فيلم “الأوامر العشرة “”les dix commandements “و أفلام جيمس بوند و غيرها. بعد زيارة العيون قمنا بزيارة أخرى رائعة إلى مدينة لاس بالماس التي أحتفظ لها بذكريات جميلة.عندما عدت إلى الطانطان بعد نهاية العطلة وجدت أبي رحمه الله منهمك في بناء قاعة سينمائية جديدة بمواصفات جديدة و تراعي إلى حد ما متطلبات الفرجة السينمائية .كانت تحتوي على اماكن مرتفعةو منفصلة عن القاعة الرئيسيةأي عبارة عن بلكون و فوقهم قاعة البث الخاصة بالآلة السينمائية وآلات أخرى لإصلاح الأشرطةإن تقطعت و أشياء أخرى متفرقة و كان الولوج لها عبر سلالم في الساحة التي يوجد بها مكتب إستخلاص ثمن الدخول و مقهى و مراحيض .كان المسؤول عن مراقبة التذاكرعند دخول القاعة رجل صاحب رجل واحدة ويتكأ على عكاز من حديد و يدعى” الحطاب “و كان يشتغل بقاعة العرض السابقة بينما كان” ابريك” مسؤولا عن تشغيل آلة السينما مكان اخي محمد رحمه الله او الحسين ساعد الذين كانا مكلفين بتلك المهمة في السابق و غالبا ما كانامكلفين باستخلاص ثمن التذاكر .

لم يكن الأعوان مستقرين وهو ما صعب مهمة التسيير على اخي محمد و اخي الحسين فكنت أساعدهم كلما سنحت لي الفرصة.هكذا أصبحت أدمن على الحضور كل ليلة للفرجة و المساعدة إما في إدخال المتفرجين إلى القاعة أو بيع التذاكر وعندما يبدأ العرض كنت غالبا ما أذهب إلى مقصورة البث لأتعلم كيفية تشغيل الآلة السينمائية و تنظيفها و غير ذلك من العمليات.آنذاك قرر أبي أن يمنعني من الذهاب إلى الثانوية بحجة أنهم في حاجة إلى خدماتي و أصبحت بين عشية و وضحاها أعمل بالنهار مع أخي محمد و بالليل في السينما إلى أن سخر الله لي السيد عزمي مدير ديوان عامل الإقليم الذي لاحظ وجودي يوميا بالسوق في الوقت الذي كان علي أن أكون بالقسم مع زملائي فقرر التدخل رحمه الله و جزاه عني خيرا و أرغم والدي على إرجاعي
الى الثانوية .في هذه القاعة الجديدة لم نعد نسمع ضجيج محرك الكهرباء لأن هذه الأخيرة أصبحت توزع على العموم و ذلك ،حسب معلوماتي، ابتداء من النصف الثاني من الستينيات بواسطة محركات كبيرة تشتغل بالدييزل و توجد بمستودع بشارع محمد الخامس قرب المركز الأول للدرك الملكي في الجهة المقابلة للثكنة العسكرية الموجودة فوق تلة تتوسط المدينة و المعروفة ب ” القصبة ” .لاحقا سيبنى في تلك الجهة المقابلة ل “مطور الضو ” الفندق الملكي الخاص بالجيش .تم، إذن، ربط قاعة السينما بالكهرباء العمومي الذي كان في بداياته ينقطع في الحادية عشرة ليلا وبعد ذلك أصبح الإنقطاع الكهربائي في الواحدة ليلا.


بعد سنة ١٩٧١ أصبح تسيير المشروع صعبا على الطاقم العائلي و لم يبقى من خيار إلا بيع المعدات أو كراء القاعة بمعداتها وهو ما تم بالفعل بعد أن اكترى شخص يدعى الخليل الحسن بن أحمد رحمه الله القاعة و قام بتشغيلها لسنوات قليلة حيث أن الوالد رحمه الله رفع عليه دعوى قضائية بسبب عدم آدائه سومة الكراء الشهرية . من منكم قد سمع أو يعرف شيئا عن 《 سينما شنقيط 》 ؟ يتبع …….

اترك رد