
طانطاني24 – محمد الامين ساعد
بعد زلزال أكادير بتاريخ 29 فبراير 1960 لم يبقى من قاعات السينما الأربع بمدينة اكادير إلا سينما 《 سلام 》 التي كان قد بناها رجل الأعمال السيد يحي بن يدير و بعد الزلزال بنيت سينما 《 الصحراء 》 بتالبرجت ثم تلتها عدة قاعات سينمائية أخرى بكل من طانطان و إنزكان و تارودانت و تزنيت و كليميم و اخيرا بويزكارن خلال ستينيات و سبعينيات القرن الماضي .
في سنة 1961 اختمرت فكرة إنشاء قاعة للعرض السينمائي بالطانطان عند ابي احماداوامبارك وعمي عبد الله رحمة الله عليهما فقام الأخير باقتناء آلة سينمائية من نوع 《 سينارك 》 و ميكروفون للصوت من نوع 《 لانمبري 》 و بوق للصوت و ما يزيد عن ١٠٠من المقاعد الجلدية و الخشبية و شاشة بيضاء كبيرة مصنوعة من ثوب سميك مبلط بالجبص و مثبت على اعمدة و وضعت في المكان المقابل للمكان المرتفع بمرتين عن الأرض و المعزول عن الجمهور المخصص للآلة السينمائية. في بداية الأمر استغل الوالد و العم المستودع الذي يملكه المرحوم محمد احضيه بوعيدة و الذي كان في فترة ما اول قسم يدرس فيه أبناء الطانطان قبل أن تبني السلطات الإسبانيةمدرسة بقسمين و المعروفة الى الآن ب《القبيبات 》 .كان المشروع يتكون من قاعة العرض بالمستودع و مقهى بنفس البناية . استمر الأمر هكذا الى سنة ١٩٦٣ حيث انتقلت العائلة للسكن الجديد بالقرب من منزل أهل البوحياوي《 بالطانطان الابيض》 و بالضبط بزنقة طارق إبن زياد حاليا. أصبحت الأمور آنذاك أصعب على اخي محمد رحمه الله و مساعديه الذين كانوا يسهرون على تسيير المشروع و الصعوبة كانت في التنقل من و إلى حي العمالة و خاصة بالليل و في كل الظروف المناخية مع العلم ان الكهرباء غير متوفر بالمدينة بالمرة الا باستعمال محركات صغيرة تعمل بالكازوال.كانت المحلات التجاريةالموجودة آنذاك بالسوق المركزي وسط المدينة و الذي بناه المستعمر الإسباني تستعمل مصابيح غازية تسمى” بيتروماس ” او أخرى تقليدية تشتغل بالكربون و الباقي الآخر يستعمل الشمع و خاصة بالمنازل.اتذكر تلك السنوات عندما كنا نقطن بحي العمالة بمنزل 《 الكبانية 》، و الذي سيصبح فيما بعد اول محكمة ابتدائيةبالمدينة يرأسها المفوض القضائي المرحوم سيداتي ولد محمد الشيخ الهيبة ، كنت اخرج مع أمي رحمة الله عليها و اخواتي أمام المنزل بعد غروب الشمس ننتظر قدوم الوالد والتجار الآخرين من الضفة الشرقية .
كان اغلبهم يسكنون بجوارنا و غالبا ما يأتون مجتمعين و يتناولوا وجبة العشاء في أحد المنازل . كنا نراهم قادمين يحملون مصابيحهم ليقطعوا واد ي ابن الخليل في الظلام الدامس و يستغنوا عنها عندما يحل القمر و خاصة عندما يكون بدرا كاملا مضيئا. كان اغلب التجار من سكان حي العمالة و منهم عائلتي أهل بيغدن و أهل فوزي و أهل شارا امبارك واخوه لحسن و احضيه اوشارا واهل لزعر و أهل محمد إبراهيم الداودي واهل الداحاوأهل حيدوك وغيرهم من العائلات بالعمالة أو بالطانطان الابيض أو بالطانطان الاحمر المكونة للنسيج الأول للمدينة.

كانت العلاقات التي تربط تلك العائلات متميزة ولا مجال فيها للقبلية و لا للجاه و لا للمال .كانوا بمثابة عائلة واحدة كبيرة يجمعها وادي ابن خليل بضفتيه و بماءه العذب الذي كان في متناول الجميع.خلال النهار كان منظر الطانطان من الضفة الغربية و لا اروع : بساتين على اليمين و سفينة عبارة عن مقهى و مسبح بناها الإسبان وسط الوادي وأمامها على الضفة الأخرى المركز الإداري الذي هدم مؤخرا و فوق التلة المرتفعة القاعدة العسكرية المسمات بالقصبة ثم السوق المركزي و بجانبه مساكن وبساتين يقطنها أهل النجار و أهل بوشعيب و أهل الروبيو و أهل حماد اوسعيد و اهل صفر واعل عمارة وغيرهم .
كان حي العمالة مكون من البناية التي بهاالإدارة المركزية و السكن الرئيسي لعامل الإقليم، كان آنذاك يسمى إقليم طرفاية، ثم مستوصف و نزل عسكري للضباط و مدرسة و كل هذه البنايات محاطة بمنازل وبساتين لعائلات معروفة بالمنطقة و أشجار متفرقة تسمى ب ” الطرفة ” .والجدير بالذكر ان الأزقة لم تكن مبلطة و لا توجد مجاري للمياه العادمة حيث ان كل منزل له حفرة خاصة لمياهه العادمة .
كما أن الطريق بيننا و بين كليميم لم تكن معبدة و كانت مدة قطعها ما بين ستة و ثمانية ساعات على الأقل هذا إن لم تتدخل العوامل الطبيعية .خلال موسم الأمطار كانت الطانطان تعيش عزلة داخليا و خارجيا .العزلة الداخلية كان سببها وادي ابن خليل الذي كان يعزل أهل حي العمالة عن السوق المركزي .اما العزلة الخارجية فكان مسببها وادي درعة الذي كان يعزل المنطقة برمتها عن شمالها .الا أن السكان كانوا دائما يقظين لهذه المتغيرات وكان كل منزل يوجد به بيت للتخزين يقي من مثل هذه الظروف .كان أهل المنطقة ينتفعون بكل ما تجود به الارض و السماء من أنواع النباتات و الحيوانات كالغزال و الأرنب و الطيور بأنواعها و حتى الجراد الذي كان يأتي على الأخضر واليابس كان الناس يجمعونه إما لبيعه أو لأكله. يتبع …

