الطّنطــان والمُؤامــرات : اَلعمــلُ الصّحفــيُّ.

اسليمان العســري

[ إهـداء للنّزهـاء مـن صحفيّـي الإقليـم علـى قلّـة تعـدادهم فـي خـوض غمـار مهنـة المتاعـب مَسِيـراً علـى بسـاطٍ مفـروشٍ بالأشـواك بـتأنٍ وثقـةٍ كبيريـْن ، غيـر آبهيـن بـالمطبَّـات والحواجـز الّتـي تعتـرض طريقـهم ، مخلصيــن العهــد دفاعـاً عـن الطنطـان أولاً ودائمـاً].

حتَّـى أتجنَّـب التعاريـفَ المتناسلـةَ حـول الصّحفـيّ والصّحـافة ، ومـن يحـقُّ تسميتـه بـهاتـه التسمّيـة ، هل المصـوّر ، المحــرر ، ناقـل الخبـر ، المـدوّن ، التّقنـي…؟ لأنَّ الأمـرَ يتطلَّـب الحـذرَ كـلَّ الحـذر ، بـفعل تطـورات العصـر وغـزارة شبكـات التَّواصـل أصبـح الخلـطُ سيِّـدَ الموقـف ، لكـنْ مـا أحاولُ ملامستَـه مـن خـلال الموضـوع هـو الصّحافـة المكتوبـة سـواء أكانـت ورقيَّـةً أو إلكترونيَّـةً ومؤامرتـها المكشوفـة فـي تعطيـل تنميـة بلدتـي ، مـع التحفـظ طبعـاً بـعدم ذكـر الأسمـاء (ولْفَاهَـمْ يَفْهَـمْ).
فـي البدايـة ظهـرت الصَّحافـة المكتوبـة بـالطنطان أولاً مـع شبـابٍ مُتعلِّم وفاهـمٍ غالبيَّتـه وافـد مـن مناطـق أخـرى ، جلُّـهم موظّفيـن فـي قطاعـات شتّـى ، مُتمرِّسيـن فـي العمـل النَّقابـيّ والسِّياسـي ّ، وقـد أدَّوْا دور مراسليـن صحفيِّيـن لـجرائدَ ومنابـرَ وطنيَّـةٍ معروفـةٍ تنقـل أخبـار وأحـداث الإقليـم المختلفـة ، قلَّـما تجـد بينـهم مـن يستـرزق ويخضـع لـسلطة الحاكـم ، حاولـوا قـدر الإمكـان (رُغـم الملاحظـات المُسجّلـة بـفعل غيـاب ثقافـةٍ صّحفيّـةٍ بالمنطقـة آنـذاك لأسبـاب مختلفـةٍ) تأسيـسَ منـاخٍ صحفـيٍّ جـادٍّ ووضـع بصمـاتٍ أوليّـةٍ للشّبـاب القـادم ، وفـي سنـوات تسعينيّـات القـرن الماضـي بـرزت جرائـدٌ مكتوبـةٌ ومحـدودةٌ جـدّاً بـالمدينة تُعنـى بـقضاياها والجهـة ، ومـن هنا ستبـدأ المُؤامـرة اللَّعينة ، بـحيث أغلبُـها سيخضـع للابتـزاز والمحسوبيّـة مـن جهـاتٍ مختلفـةٍ مسؤولـةٍ أو نافـدةٍ ، وظـلَّ خطُّـها التَّحريـريُّ تابعـاً لا مُستقـلاًّ مـمّا سـيحدُّ مـن موضوعيَّة ونزاهـة عرضـها مُقابـل امتيـازاتٍ وفُتـاتٍ لا يغنـي ولا يسمن من جوع ، بـاستثناء جريـدة أو اثنتيْـن لـِـشباب مـن أبنـاء الإقليـم تملَّكتـه مغامـرةُ وجنونيّـةُ العمـل الصّحفـيّ نظـرا للمواهـب الّتـي يمتلكـها فـي المجـال ، مُـحاولاً جاهـداً السباحـةَ ضـدّ تيـّار إمـلاءات المسؤوليـن ، لـكن سرعـان مـا سيصطـدم بـواقع الحـال المريـر فـي غيـاب التّشجيـع وضعـف الإمكانيـات اللّوجستيكيّـة ، والأكثـر مـن هـذا غيـاب القـراء والمتابعيـن ، فـتواروا عـن الأنظـار تمامـاً ، ومـن ثـمّـة خفتـت أصواتـهم للأسـف ، بِـحكم مبادئـهم وأخلاقـهم مُجنبـةً إيّاهـم أفخـاخ الإحتـواء والتّبعيّـة ، وللأمانـة مازالـت الآن جريـدةٌ تصـارع أمـواج المؤامـرة العاتيّـة فـي تحـدٍ صعـبٍ ، ولا أعتقـد سـتصمد أكثـر.
غيـر أنّـه مـع المستجـدّات الحاصلـة فـي الميـدان التكنولوجـي حاليـاً أصبـح الاهتمـام أكبـر بـالصحافة الإلكترونيّـة ، لـسرعة تلقّـي الخبـر وسهولـة وصـول المعلومـة للمتتبّـع عبـر الهواتـف الذّكيّـة والّتـي غـزت المجتمـع الطّنطانـيّ بـشكلٍ فظيـعٍ ، ومـن هـنا استحلَّت المؤامـرة لعـب دورهـا فـي غـزو البيـوت وتغييـر معالـم فكـر شبـاب وساكنـة الطّنطـان ، علـى اعتبـار أنه كـلّ مـن هـبّ ودبّ ينشـئ لـنفسه موقعـاً إلكترونيّـا ،ً وبـدأت بذلـك تتناسـل الجرائـد كـالفطر بمدشـري فـي غيـاب قانـون مؤطّـر للعمليّـة وفـق شـروط ينبغـي توفّـرها فـي العامليـن بالميـدان ، فأصبحـنا أمـام وضـعٍ نتـنٍ تؤطّـره العشوائيّـة وانعـدام المسؤوليّـة ، الاستقلاليّـة ، الشفافيّـة فـي التّعامـل مـع الخبـر أو المـادّة الصّحفيّـة ، والّتـي غالبـاً مـا تُحــرّر مصحوبـةً بـغزارة الأخطـاء اللّغويّـة والمعرفيّـة وركـاكة الأسلـوب وانعـدام خـطٍّ تحريـريّ واضـحٍ ، مـمّا ساهــم فـي خـدش صـورة الصّحافـة ، لِـينعكس سلبـاً علـى سمعـة الطّنطـان ومثقّفيـها.
ومن أوجـه المؤامـرة الخبيثـة التـي تفـرض كشفـها هـو التنافسيّـة اللّاشريفـة فـي مجـال الصّحافـة ، وقـد ظهـر ذلـك مـن خـلال تأسيـس مواقـعَ إلكترونيـّةٍ (مـع الضّعـف التّـام لـطاقمـها مـن حيـث الخبـرة والتكويـن وطريقـة التعامـل مـع الخبـر) شبيهـة فـي الأسمـاء لِضـرب أخـرى نشيطـة وعامـلة ، إضافـةً للتقيـيم الرّائـج بخصـوص الصّحفـيّ ، لِيصبـح كلّ من نشر (خبراً) صحفيّاً في رمشة عيـنٍ وبـقدرة قـادرٍ ، فأصبحـت التّسميـات تُـوزّع هنـا وهنـاك (تَاغْرَوِينْ يَا لَمْعايَلْ ، مـع احترامـي طبعـاً للعـادة المنقرضـة) الصحفـيّ والإعلامـيّ والأستـاذ والمديـر ، وهنـا أريـد فتـح قـوسٍ لأعبـّر عـن رأيـي المتواضـع : لا يمكـن أبـداً الحديـثَ عـن جريـدةٍ صحفيّـةٍ إن لـم تحـوي أخبـاراً وتقاريـرَ ومتابعـاتٍ وتحليـلاتٍ ، فـلا يُعقـل أن أقبـل بـمسؤولٍ أو مديـرٍ لـجريدةٍ مـا أو صحفـيّ منتـمٍ لهـا دون أن يُواعـد متابعيـه بـمقالٍ تحليلـيّ علـى الأقـلّ مـرة فـي الشّهـر ، انتهــى كلامـي ، وحتّـى أكـون منصفـاً فهنـاك صاحـب جريـدة بالطّنـطان استطـاع أن يقـوم بذلـك لـدرجة إقامـة مجالـس تكوينيّـة لهـذا الغـرض.
وعـودةً للأخطـر فـي مؤامـرة اليـوم ألا وهـو التبعيّـة رغبـةً فـي أغـراضَ نفعيّةٍ ذاتيّةٍ استرزاقيّـةٍ (الله يَحْسَـنْ لَعْـوَانْ ، غيـر أنّ عـذر صاحبـه غيـر مقبـول) لجهـاتٍ معينـةٍ ، فالمحلّـل لمـا بيـن السّطـور سـيكتشف للوهلـة الأولـى التّابـعَ للمجلـس البلـدي ، والمُرافـعَ عن المجلـس الإقليمـيّ ، والرّاكـعَ للمسؤوليـن ، والمنبطـحَ للبرلمانييْن ، والشّاطـحَ بيـن هـذا ووذاك ، والطّامة الكبـرى أن تأتـي أسمـاء الأفعـال تلكـم مـن بعـض الصّحافيّيـن المحترفيـن(يعـدون أي المحترفيـن علـى أصابـع اليـد الواحـدة) ، كـان الأجـدى بهـم احتـرام مهنـة لسّلطـة الرّابـعة وعـدم الاستخفـاف بذكـاء أهـل الطّنطـان وتاريخ الطْنَيْطِينَـة (كـما يحلـو لأحـد أصدقائـي تسميّتـهـا بذلـك).
وإلــــــى مؤامـــــرة قادمـــــــة.

اترك رد