حكمت محكمة الاستئناف بطنجة مؤخرا بخمس سنوات سجنا نافذا على محمد المتهم في ملف جريمة الاغتصاب تحت التهديد بالسلاح الأبيض، وهي الجريمة التي حددت مجموعة القانون الجنائي عقوبتها بالسجن من عشر إلى عشرين سنة (الفصل 485). وقد وجهت له التهمة من طرف طفل يبلغ من العمر أربع عشرة سنة يوجد منذ صغره في وضعية هشة، وهو يتيم الأم ويعيش مع أسرة أبيه. والمحكوم عليه في هذه النازلة كان غير مرغوب فيه في الفضاء الذي كان يزاول فيه تجارته جوار عم الضحية الذي كان يكن له الضغينة بشكل دفين، وهو أب لطفل معاق ذي السبع سنوات مصاب بداء التوحد، كان يضحي بكل قواه ويبذل قصارى الجهود لحفظ كرامة ابنه وزوجته، إلى أن لفقت له التهمة الخطيرة بداية شهر رمضان الماضي التي نزلت على أسرته كالصاعقة، والتي على إثرها جز به بجرة قلم في غياهب سجن طنجة لمتابعته في حالة اعتقال بناء على أقوال الطفل الضحية فقط، التي كانت متضاربة منذ البداية، تثير الشك في مصداقيتها، وشهادة طبية من الطب الخاص لم تجزم بشكل قطعي وقوع حالة الاغتصاب، ثم أصدرت المحكمة حكمها بعد خمسة شهور من الاعتقال لتجعل منه مجرما خطيرا دون إدراج أي دليل مادي في الملف من طرف النيابة العامة ولا من محام الضحية، ضاربة عرض الحائط بقرينة البراءة التي أقرها دستور المملكة والقاعدة العامة التي تلزم ضمير القاضي بالحكم بالبراءة لفائدة الشك عند غياب الدليل المادي لإثبات الجريمة.
وقد استفسرت رئيس إحدى الجمعيات الذي كان له دور في تأجيج الرأي العام ضدا على القانون والمنطق ووسائل الإثبات ومحاولة المساهمة في الضغط على القضاء، حول ما إذا كانت الجريمة ثابتة ضد المتهم واستفاد من ظروف التخفيف بشكل استثنائي أم صدر الحكم على هذا الشكل فقط تحت الضغط الذي مارسته جمعيته على القضاء ؟ وكجواب على استفساري أحالني على حوار حول موضوع اغتصاب الأطفال أذاعته إحدى الإذاعات المغربية جاء فيه :
“اغتصاب الأطفال بين تواطؤ المجتمع ومحاربة الظاهرة
أصبح العنف الجنسي يفرض نفسه كظاهرة خطيرة، نعيشها اليوم، بتواطؤ من المجتمع، و بتزكية من الأعراف والتقاليد، التي تحكم ردود أفعالنا، اتجاه جريمة قد تدمر أطفالنا، و مستقبل مجتمع بأكمله. …
توضح الدكتورة …، اختصاصية في العلاج النفسي للأطفال والمراهقين والعلاج العائلي النفسي، أن السكوت عن أي محاولة اغتصاب أو اغتصاب كامل، هو مرض نفسي يدعى بمرض “الصمت”.
وحسب الدكتورة، فإن مرتكب العنف الجنسي لا يمكن تصنيفه ضمن المرضى النفسيين، بحيث أن المعتدي غالبا ما يتوخى الحذر في اصطياده لضحيته، و يخطط بأسلوب استراتيجي للإيقاع بها، ما يرفع عنه صفة المريض.
وتشدد الدكتورة، على ضرورة انفتاح الأسر على مناقشة هذا الموضوع مع أطفالهم، لتفادي السقوط في شرك المغتصب.
ووصفت الدكتورة، الأضرار النفسية والبدنية التي ترافق الأطفال المغتصبين مستقبلا، بالخطيرة، في حالة ما إذا لم يخضع الطفل لمتابعة طبيب نفسي والطبية بعد الحادث’ وما لم يعاقب الجاني ،لان عقابه بداية العلاج بالنسبة للضحية .
وفي حديثها عن الأعراض التي تستجد على الطفل بعد تعرضه للاغتصاب، تقول الدكتورة إن الطفل يدخل في حالات شرود، وعدم تركيز، وتبول ليلي، وميول إلى العزلة في أغلب الحالات.
وأشار رئيس إحدى الجمعيات المناهضة للعنف ضد الأطفال إلى أن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، مرتبطة أساسا بغياب الوعي وكذا الجهل بنفسية الطفل وحقوقه، و أضاف أن الظاهرة لن تنتهي بتوعية المجتمع فقط، بل يجب التركيز على العقوبات الرادعة، و ابتكار سبل لحماية أمن الطفل.”
انتهى حوار الإذاعة.
وقد عقبت محامية المتهم، وللإشارة فهي مناضلة حقوقية بامتياز، على ما ورد في هذا الحوار بقولها ” هذا موقفنا جميعا بخصوص العنف ضد الأطفال، ولكن كذلك يجب أن يكون موقفنا من الوشايات الكاذبة والانتقام والاتهام بدون إثبات واضح كذلك…”، وأضيف إلى تعقيب الأستاذة الفاضلة بأنه يجب على المناضلات والمناضلين في الجمعيات الحقوقية التأني والتحري الدقيق وعدم توريط جمعياتهم في تبني قضية ما للدفاع عن الضحية أمام القضاء في غياب توفرهم على ما يثبت بشكل واضح أنها قد تعرضت فعلا إلى انتهاك صارخ لأحد حقوقها، خاصة عندما يتعلق الأمر بجريمة الاعتداء على السلامة البدنية أو النفسية أو هما معا التي تؤدي إلى السجن، كما هو الحال في هذه القضية.
طبعا، من كل الكلام الجميل في هذا الحوار الذي أذيع على أمواج الإذاعة، والذي احتج به رئيس الجمعية ليرد على استفساري لم يتم التركيز في قضية محمد إلا على “العقوبات الرادعة” ليزج بالمتهم في السجن لمدة ليست بالهينة، دون أن تثبت الجريمة ضده، أما “ابتكار سبل لحماية أمن الطفل” فهو مجرد شعار فضفاض لن ينصف الطفلين اللذين غصبتهما الحياة، الأول في أمه والثاني في صحته العقلية والجسدية، قبل أن يغتصب الأول من طرف وحش، إن تم ذلك فعلا، قد لا يكون هو المتهم المحكوم عليه ظلما دون إثبات جريمته، ويغتصب الثاني من طرف القضاء الذي شرده هو وأمه بعد أن حجب عنهما راعيهما دون الاكتراث بمصيرهما، والطفلان معا لم يبال بهما أحد ولم يستفيدا من أي دعم نفسي ولا من أي دعم آخر، وسيبقيان بكل تأكيد عرضة لجميع الأخطار المحدقة بهما.
فالخزي والعار لكل من ضلل المحكمة بقصد أو غير قصد، خاصة في هذه الفترة الحساسة التي أصدر فيها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض توجيهاته لتشديد العقوبات على مرتكبي العنف ضد النساء والأطفال، أما القضاة الذين استخفوا بواجبهم دون مراعاة مصير أسرة المتهم ولا الخطر المتربص بالطفل الضحية في حالة اغتصابه فعلا من طرف مجرم تم التستر عليه، فإن ضميرهم وحده هو من سيحاسبهم طال الزمن أم قصر.
الحسن محمدي علال