بورتريه لبعض الزعامات في قبيلة أيتوسى

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها قضية الصحراء،ونظرا لما للإنسان، وللمجال، وللتاريخ من أدوار ، ارتأينا أن ننور القارئ الكريم بهذا البورتريه لرجال عظماء بصموا تاريخهم ولعبوا دورا كبيرا في تاريخ قبائل أيتوسى وهذا المقال هو عبارة عن جزء من بحث الإجازة للباحثين بوجمعة بيناهو وسعيد غيلان سنة 2006 في القانون العام شعبة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط .

إن الزعامة هي بمثابة المهابة والقيادة الحكيمة ، خاصة بمجتمع متحرك ومتحول على صعيد مرتكزاته الإجتماعية، أي أن المجتمع المنتج والقابل لهذه الزعامة يجسد حالة إجتماع الناس المتحمسين لقضية مشتركة. والذين يرون في قائدهم أو مرشحهم تجسيدا لعدة أدوار نذكر منها:

أولا :الدور الرحماني، أية الرحمة أو سلطة الخلاص
.
ثانيا: الدور المعنوي أية النجاح، أو كفالة الإنتصار .

ثالثا: الدور التعبيري قيادة الحرب (النبي الفاتح، القائد …) .
وفي هذا الإطار أو المضمار يلعب القائد جملة أدوار متكاملة، فهو مرشد الناس وجاذبهم.

فالبنية الإجتماعية هي مصدر السلطة ومعنى ذلك أن وظيفة القيادة بنيوية (قيادة الأسرة، شيخ القبيلة, الوجهاء والأعيان، …) وهذه الوظيفة تبرز كعلاقة من جهة وكموهبة من جهة ثانية.

والمقصود بمصطلح القيادة أو الزعامة أيضا هو جملة من المفاهيم الجزئية بعضها يربط دور القائد بمقامه أو بمنصبه وبعضها الآخر يخفضه إلى المسلك القيادي.

وهناك من جهة ثالثة تركيب لمفهوم القائد(جملة مزايا وإستعدادات، مميزة للشخص الذي يستقطب إهتمام جماعته أو يكفل تسيير أمورها.
إن الزعيم إذن هو الشخص المركزي الذي يسترعي الإنتباه في الجماعة نظرا لكونه مركز الإهتمام السلوكي أمام أفراد جماعته، وهو أيضا الملتزم بالأعمال القيادية، فهو الشخص الذي يستمد أهميته من قدرته على جعل جماعته تنجح في تحقيق أهدافها، ومعنى القائد هنا أنه الزعيم الذي يلتزم بوثيرة محددة من الأعمال القيادية.

فإذا كانت الزعامة قائمة قبل الإسلام وعلى أساس الولاء لشيخ القبيلة، وفقا لتغلب نمط الإنتاج الزراعي (الصيد، تربية الماشية، زراعة بدائية) وما ينجم عنها من علاقات إجتماعية أهمها وأبرزها وحدة الجماعة في مواجهة الطبيعة، والتقرب إلى هذه الطبيعة لإتقاء شرورها وجني خيراتها، فإن الزعامة أخذ محورها ينتقل مع ولادة المدن (التحضر البدوي) إلى التجار الذين أصبحوا أكثر غنى ومالا. فحل شيخ التجارة محل شيخ القبيلة أو تحول أحيانا شيخ القبيلة الزراعية إلى شيخ التجارة الحضرية، من خلال تسويق الإنتاج الزراعي وتكديس فائض القيمة .
إلا أنه وبالنظر لقبيلة أيتوسى موضوع الدارسة فإن الترحال المستمر لرحلها لم يمنع من وجود جهاز سياسي/ سلطوي يردع الفرد والجماعة، وتعد تمثيلية الجماعة الجهاز المباشر والحاسم في مختلف المصالح المشتركة،يحاط فيها الذكور بوجاهة تامة، يحكمهم رئيس مختار من طرفهم إستنادا إلى خط نسب معين، ونشير هنا إلى أن سلطة الزعماء محدودة ومقننة، إذ يتبعون أو يتقيدون بقرارات “الجماعة” وهذا ما يفضي بنا إلى القول بأن السلطة التي يعترف بها الإنسان الصحراوي هي “الجماعة” أو إجماع الأعيان التي يكونها أشخاص لهم قيمة حربية وتجربة وثروة وكفاءة متميزة، فهم قبل كل شيء إخوة آخرون لهم ميزة إلا أن لهم وظيفة محددة لسلطتهم. هذه السلطة ليست مطلقة فهي تقتصر على القيادة في القتال وإستقبال الضيوف والتحكم في المنازعات وتمثيل القبيلة في الخارج، وهذا ما سنحاول عرضه من خلال إبراز بعض الزعماء الذين عرفتهم قبيلة أيتوسى على سبيل المثال لا الحصر ،ليبقى المجال مفتوحا لباحثين أخرين ودراسات مستقبلية يتم تخصيصها لأعلام وزعامات أخرين، وسنخصص هذه الدراسة لأربع زعامات ، أمثال حماد أوبريك وبوزيد ولد الرباني، ومحمد ولد الخرشي وفظيلي راح.

أولا:حماد أو بريك: القبيلة في تسييرها الذاتي.

إن شخصية حماد أو بريك تحظى بمكانة مهمة داخل أذهان شيوخ قبيلة أيتوسى، ولعل الإحتفاظ بالتاريخ على هذا الشكل يمثل امتدادا لفرضية الإثنوغرافية الفرنسية التي قالت دائما أن تاريخ المغرب الحقيقي هو تاريخ القبائل المحفوظ في أذهان الشيوخ، لا تاريخ المخزن المدون في قوالب موروثة من الشرق العريق .
إن هذا الزعيم كان بمثابة رجل التوازنات داخل قبيلة أيتوسى إذ بلغت في عهده درجة عالية من القوة، والتماسك، واللشيوخ، وتعود بنا الرواية الشفوية إلى المرحلة التي كان فيها مقدما “لأيت أربعين” وتوجه إلى قبيلة “دوبلال” ليعقد مع مقدمها إتفاقية للدفاع المشترك، حيث تتكفل قبيلة “دوبلال” ب “الغزي” المحتمل من الشمال “وأيتوسى” تستعد ضد “الغزي” القادم من الجنوب إلا أن مقدم “دوبلال” فهم هذا الإقتراح على أنه ضعف من قبيلة “أيتوسى” فطلب مقابل موافقته عددا من رؤوس الماشية مما أغضب “حماد أوبريك” وعاد إلى قبيلته ونظم “غزي” وأغار على قبيلة “دوبلال” مما ولد عداوة جديدة إستمرت سنين طويلة .

ثانيا: علاقة القبيلة بالمستعمر وبداية تغلغل جهاز المخزن (محمد ولد الخرشي وبوزيد ولد الرباني).

إن هذه المرحلة تشكل فترة مهمة من تاريخ أيتوسى، ومن الرجال البارزين في هذه المرحلة محمد ولد الخرشي الزعيم الحربي لأيتوسى ومما إشتهر به هذا الرجل أنه زعيم حربي، وشخص ذكي ومتزن آراءه مسموعة، وقد إشتهر أيضا منحه الحظ والإنتصار لقبيلته .وكلما قرر مجلس “أيت أربعين” خوض الحرب مع قبيلة أخرى إستعمل طريقة غريبة تبركا منه للمحاربين وشحذا لهمهم حيث يكلف مقاتلين إثنين بأخذ “طرفي عمامته” ليمر من تحتها كل المحاربين قبل الخروج إلى أية غزوة محتملة ويحكي أنه قبل دخول المستعمر الفرنسي للمنطقة إقترح المدعو عليات ولد شياهو على محمد ولد الخرشي تجهيز غزوة لغزو قبيلة أزركيين، فرفض هذا الأخير الإقتراح لإعتبار أن الأوضاع السياسية غير مواتية ومن الأجدر مواجهة التغلغل الإستعماري بالبلاد وتجميع القوى لكل إحتمال ممكن إلا أن عليات ولد شياهوأصر على رأيه باعتباره مقدما سابقا وقائدا معينا من طرف صاحب السلطان وفضل التزود بالغنائم من القبيلة المستهدفة لمواجهة متطلبات الظروف الراهنة ساخرا بذلك من رأي محمد الخرشي، وجمع أتباعه ومن بينهم إبن محمد الخرشي لمباركة الغزوة فطلبوا منه مدهم بعمامته لكنه رفض الأمر وقاد عليات الغزوة فهزموا وقتل هذا الأخير ويذكر أن هذه الغزوة كانت الأسوأ في تاريخ القبيلة.
أما بالنسبة للقائد “بوزيد ولد الرباني” المعين من طرف الإستعمار الفرنسي فهو زعيم من زعماء وكبار شيوخ أيتوسى حمل السلاح ضد المستعمر في بداية تغلغله وتفاوض معه في منطقة بشار الجزائرية .
تجدر الإشارة إلى أنه بعد دخول المستعمر أصبحت تتلاشى التنظيمات القبلية، وقامت الإدارة الإستعمارية بتعيين مجموعة من القواد المنتمين إلى القبيلة لتقوية التواجد الإستعماري إنطلاقا من هذه المعطيات، يتبين لنا أن الجماعة التي نهضت فيما قبل الإستعمار بمهام الوساطة ما بين الجهاز المخزني والقبيلة هي نفسها التي حرص الإستعمار على أن تكون وسيطا بينه وبين السكان فلم يعمد عموما إلى خلق زعامات جديدة بقدر ما إكتفى بتكريس أدوار الزعامات التقليدية عن طريق تطبيق مبدأ وراثة الوظيفة. ولئن كان هنالك من فارق بين ممثلي المخزن في مرحلة ما قبل الإستعمار وما بعده. فهو أن هذه الجماعة الوسيطة، بعدما كانت سابقا تستمد نفوذها من المخزن أو من سندها القبلي لما تتعاظم ظواهر العصيان أصبحت في فترة الحماية تحت رحمة المستعمر. وبعدما كانت مفتقرة إلى الإمكانيات والوسائل، وقاصرة في أحيان كثيرة عن تطبيق مقتضيات وظيفتها. أصبحت في ظل الحماية معززة بسلطات جديدة. سياسية ،وإقتصادية ،وعسكرية. وإن كانت مزاولتها قد أخذت وجهة جديدة وأصبحت تتم في إطار علاقة لا متكافئة بين مسيطر أجنبي متحكم في القرار، ومسيطر عليهم فقدوا زمام مصيرهم. لقد نزعت الحماية عن قياد وكبار المرحلة الما قبل إستعمارية صفة رؤساء الحرب، وأدمجتهم في جهازها الإداري.

ثالثا: فضيلي راح: القبيلة وتبلور مفهوم القائد بعد الإستعمار.

من أكبر الزعماء الذين لا زالت ذاكرة سكان المنطقة تحتفظ لهم بالشيء الكثير. يجسد نموذجا حيا للسلطة في المجتمع الصحراوي، إزداد فظيلي سنة 1930م بآسا، وإنخرط في صفوف جيش التحرير سنة 1954م. شارك في العديد من المعارك ضد المستعمر الفرنسي والإسباني بالمجال الجغرافي لآسا-الزاك والطانطان ،وسيدي إيفني، وطرفاية.
تقلد منصب قائد “الرحا” ودخل صفوف القوات المسلحة الملكية سنة 1956م إنتقل في عمله من الطانطان إلى طرفاية وطاطا تم إلى طنجة، حصل على رتبة ملازم وترك العمل العسكري بسبب المرض سنة 1972م تم عمل كتاجر في مناطق آسا وفم لحسن ثم كليميم عين من طرف وزارة الداخلية خليفة القائد بآسا سنة 1974 وتقلد بعد ذلك منصب قائد ثم رئيس دائرة وفي سنة 1986 إنتقل إلى تارودانت وتقاعد عن العمل سنة 1990 توفي بعدها بسنة.
إن فظيلي يمثل المرحلة التي تولت فيها الإدارة المغربية زمام الأمور ،بعد خروج المستعمر الفرنسي سنة 1958 من المنطقة. إن هذا القائد كان يتميز بشخصية كاريزماتية.،وكان هدفه الوحيد هو مصلحة قبيلة أيتوسى. هذا ما أكده جل المستجوبين خصوصا محمد ولد بوسحاب اجغاغ الذي صاحب القائد فظيلي أزيد من 15 سنة.
ترك القائد فظيلي راح في ذاكرة ساكنة المنطقة مجموعة من المقولات الشهيرة كقوله “القانون ما تخطى أمزلوك” في إشارة منه إلى أن المنطقة التي ينتمي إليها وتدخل تحت نفوذ القبيلة يحكمها نظام خاص أي مجموعة من الأعراف. وتعبيره يدل على أنه لا حاجة لتلك المنطقة بالقانون أو إملاءات السلطة المركزية.
هناك قولة أخرى للقائد فظيلي (الأيتوسي إلى نبط نبطوا أنا وإلى نذبح نذبحوا أنا وإلى مات نكتلوا أنا) إشارة منه إلى غيرته الكبيرة على أفراد قبيلته بحيث أنه كان لا يقبل من أي أحد أن يمس كرامة الإنسان الأيتوسي.
إن سلطة المخزن استطاعت كما رأينا أن توظف السلط المحلية بأبعادها السياسية والاجتماعية والدينية وكذلك الرمزية، عن طريق نوع من حفظ التوازن للآليات التي تسير المجتمع.

فالقائد هو أحسن وسيط بين القبائل والدولة لأنه أقرب عنصر إلى أفراد القبيلة. فهو ابن القبيلة الملم بأعرافها وبمؤسساتها والإقتراب من المخزن يقوي مركزه داخل القبيلة وحظوته عند المخزن، لأن هذا الأخير قادر في أي وقت على أن يعززه بالدعم المادي.
إن البحث في تجليات سلطة الدولة هو بحث في تجليات السلطة في شتى مظاهرها، لأن السلطة الدولة لا تستمر ولا تتم فعاليتها إلا عبر السلط المختلفة الموجودة في كل أركان المجتمع، ذلك ما جعل إهتمامنا ينصب على المجالات التي تتمظهر فيها السلطة على المستوى المحلي.

في الختام أود أن أشير على أن فترة نشر المقال لم تكن عبثا ,نظرا لما لمسناه من تخبط و تيه في مواقف بعض النخب التمثيلية في الأونة الأخيرة، خاصة بعد أحداث أسا الأخيرة المعروفة بمخيم تيزيمي وهو ما نعتبره خطأ إستراتيجي من وجهة نظر خاصة تم التخطيط له من جهات تستهدف المكون من أجل قتله سياسيا؟ وعزله إجتماعيا، والتي راح ضحيتها الشهيد “رشيد المامون الشين” وإعتقل على خلفيتها الكثير من أبناء الإقليم وكانت يومي23/25 شتنبر 2013,إضافة إلى التطورات المتسارعة إرتباطا بالنزاع القائم حول الصحراء،وهو ما يتطلب قيادة وازنة تكون لها رهانات جيو-إستراتيجية من قضية الصحراء ،على إعتبار الإقليم يزخر بكافة الأطياف والحساسيات القبلية المهمة، من داخل النسق السياسي ،والإجتماعي الصحراوي. زد على ذلك أن ثلثي تراب إقليم أسا -الزاك تدخل ضمن أراضي النزاع وعلى رأسها تراب جماعة المحبس ،ولعل المطلب المشروع لإحداث عمالة المحبس -اجديرية آكواديم لم يكن عبثا،وهو لا يمس بأي شكل من علاقات التعايش السلمي، والإحترام التام، لحسن الجوار ولكافة قبائل الصحراء والتي تجمعهم روابط التاريخ ،والمصير المشترك. وهو العامل الذي ستتكسر أمامه جميع المخططات والمؤامرات الموجهة من لوبيات معروفة ولا تمثل سوى قناعاتها الشخصية، المغلفة بحقد دفين ثم لكوننا تحذونا رغبة في نبش ومضات من تاريخ مشرق ظل مغيبا, رغم توظيفي للأسماء أعلاه فإن الأمر بالنسبة لي على سبيل المثال وليس الحصر, لأن قبائل أيتوسى أنجبت العديد من الزعماء و لازالت تنجب وستبقى كذلك لكن يبقى الإشكال المطروح اليوم هو جانب المشروعية في التمثيل والتي كبدت المنطقة والمكون الكثير من المأسي , دون أن ننسى أن نتوجه الى أبناء القبيلة بالمصالحة مع التاريخ ورد الإعتبار لبعض الرموز، ولعل الرهان الأول ملقى على رؤساء الجماعات، من أجل تسمية بعض الشوارع والساحات ،،والأحياء ،بأسماء هؤلاء الرموز .وهو أقل ما يمكن أن ننتظره منهم في إنتظار أن تلتفت الدولة على هذا المكون ،الذ ي قدم الشيء الكثير من أجل وحدة هذا الوطن، ولازال يقدم خدمات جليلة لفائدة المجتمع الصحراوي ،من أجل الحفاظ على توازنه القبلي .

بقلم بوجمعة بيناهو : باحث في العلوم السياسية

اترك رد