إن المتأمل والذي يعيش حيثيات قضية الصحراء بكل تمفصلاتها واقعا وليس سمعا ،وبدون أي مصلحة شخصية سوى عشق الأرض وشعبها ،يتأكد بالملموس بأن الأمور زاغت عن مسارها الصحيح ،هذا النزاع الذي كان نتيجة للأخطاء ،وبعد أربعين سنة ونيف ترتكب التجاوزات وبشكل مرعب جدا في حق أبناء الصحراء ،مناسبة هذا الكلام ما عاشته اليوم مدينة العيون والذي عرف بلقاء “إعلان العيون”،كان الأمر سيكون مفيدا لو راجعت الدولة مقاربتها في التعامل مع الصحراويين وفسحت المجال للقاء مع كل الأطياف والحساسيات وخصت لكل فئة مداخلة تعبر عن ما يخالجها وكيف تتصور حل قضية الصحراء ،لأنه لا يمكن بأن يتم تقزيم اللقاء أولا في جهتين وإقصاء الثالثة ،ثم لا يمكن أن تجهز الدولة إعلانها وتعمل على تأثيت المشهد بالحاضرين ،ثم حان الوقت لتقديم بعض التنازلات وتغليب الجانب الإنساني لمحاولة إقناع البوليساريو بالتفاوض على القادم من الحلول ،ولكن للأسف الدولة ارتكبت خطأ جسيم ، وبشكل مدبر له مسبقا وهو تقسيم المجال الصحراوي ،تماشيا مع التقسيم الإستعماري الموجود والذي خلفه المستعمر للمنطقة ،إذا كان من شيء إيجابي من اللقاء هو الدرس السياسي الذي قدمته الدولة للأجيال الحالية والقادمة وتكريسها لعدم الثقة ،لأنها عبرت وبشكل مفضوح عن انتهازيتها المقيتة ضد ساكنة جهة كليميم-المحبس بما تشمله من مناطق أسا-الزاك والطنطان وكليميم وسيدي إفني ،ونحن نعي جيدا بأن المحبس حاليا جماعة ترابية من إقليم أسا -الزاك وهو جزء من تراب جهة كليميم -المحبس ،لكن لعله خير حتى تحسم الأجيال الجديدة خياراتها وتحدد أولوياتها ،وتحتكم للمنطق البراغماتي في النزاع وهو مصلحتي مع من ؟لأن المحدد اليوم في العلاقات الدولية هو خطاب المصلحة. إن المرحلة اليوم تختلف تماما عن فترة السبعينات ،وموازين القوى تغيرت ،حتى بين أهم أطراف النزاع ،وحتى بين العناصر المؤثرة سواء خارجيا أو داخليا ،ولكن متأكدون بأن تهييج خطاب الوطنية المزيفة والمدفوعة الأجر ،لن تساهم قيد أنملة في تحريك المياه الراكدة ،وبأن خيار الحرب لا يخدم أي طرف مهما بلغت قوته ،لأنه إذا نشبت ستدمر المنطقة بشكل تام وكلي ،إن المدخل الحقيقي لحل قضية الصحراء هو قدرة الدولة في مراجعة الذات ،وتكريس النظام الديمقراطي ،وتحقيق التوزيع العادل للثروة ،وتمكين ساكنة المجال الصحراوي من تدبير شؤونها بأنفسها ،والإنفتاح على جميع الحساسيات والأصوات ،وفي الأخير نسجل إمتعاضنا من هذا النوع من الإنتقائية في المكون البشري المشكل لمجال الصحراء الكبرى ،لأنه لا يمكن لأي ذات صحراوية أن تنخرط في مشروع سياسي وهي مغيبة بشكل ممنهج ،ولا يعترف بها كذات سياسية من داخل مشروعه السياسي ،مع التلويح بأن تتحمل الدولة نتائج خياراتها في حالة الفشل ،ونؤكد بأن الأجيال الجديدة على مستوى عال من الوعي بكل المخططات وكل راسمي هذه السياسات من جميع الأطراف نقصد (المغرب وجبهة البوليساريو وأعيان الصحراء النافذين والحاضرين في صناعة القرار). أخيرا كأجيال عشنا جزءا من تاريخ النزاع السياسي القائم ،لن نبقى بدون مواقف كما يتوهم البعض،لأن التاريخ لا يرحم ،وسيعترف بقيمة المواقف ولو بعد حين ،فإننا نهوى السلم والأمن والسلام ولا نبتغي عنه بديلا ،ولكن نرفض بأن يتم إعتبارنا حطبا لكل المحطات .
بوجمعة بيناهو /باحث مهتم بقضايا الصحراء.