“دفائق معدودة… وتختفي فلسطين!» هكذا يسربون لك، ليهيئوك لما هو أخطر من فنائك، ويمتصوا صدمتك وهم يحرقون دمك، كي تشيط لا لكي تستشيط، يحشون قلبك بالخراب، و يملأون وجودك بالعدم، فيحولوك إلى كتلة فراغ لا يمكن تحديد حيزه، سوى بالمحيطين حوله من متآمرين فضائيين، وخائنين ثقافيين وغزاة، وطغاة، وأزلام «أبي جهل» من ذوي العرق الدساس، ولا غرابة، فأنت ابن أمة تلوك الدسيسة من قبل التاريخ!
وطن حيادي
تعرف ما هو الوطن الحيادي؟ إنه الوطن، الذي يقف على الحياد من مواطنيه، ليخلق مواطنا لا منحازا لوطنه، شيء أشبه بالشتات باللاانتماء، هذه هي العولمة، فما أصعب أن تعيش بلا جبهة، في زمن جبهوي، يحيدك أو يقيدك أو يخيرك بين الغزاة والطغاة!
ولكن ما الفارق بين تغطية «العربية» و«الميادين» بعد هلليلة ترامب؟ من رأى منكم «منتهى» وهي تتشح بالسواد، ليلة سحل صالح، سيقع في عشق الحداد، وهذا البهاء الناعم كحزن الملائكة السوداء، لدرجة ينسى بها البكاء على ضياع الأندلس وجفاف قصبة الحمراء، فيستغرق بالنحيب – كالنساء – على أبي عبد الله الصغير في صنعاء! وهذا يؤكد لك نعمة العمى الفضائي، وأنت تستعيد سؤال أحدهم لبشار بن برد: ما أعمى الله رجلا إلا عوضه، فبماذا عوضك؟ أجابه بن برد: بأن لا أرى أمثالك!
ليلة واحدة فقط، هي «ليلة الغدر»، كانت كفيلة بتحويل صالح من عدو مذموم، إلى بطل مرحوم على «العربية»، التي فكت حدادها بما ملأت به غرفة تبديل الملابس من أزياء مناسبة لاحتفال ترامب التاريخي في القدس عاصمة أبدية لأولاد العم، وهنا دخلت «الميادين» والفضائية السورية وعمرو أديب بحداد مضاد على الجبهة المقابلة، والعلمان الإسرائيلي والأمريكي يتوسطان حائط «البراق» في بيت المقدس، فهل تحزن على مشاهد أتعبته حروب السماء، فلم يبق لديه ما يحارب لأجله سوى المثوى الفضائي الأخير لطغاته الشهداء، بعد أن اختصرتهم الجنائز الإعلامية بربطة عنق مستوردة أو طقم نسائي فاخر؟!
الغضب الساطع بين وعدين: بلفور و ترامب!
لم يتحمس الغرب لقرار ترامب، لأنه يستخف بشأن صدر عمن لا شأن له، ولذلك إياك أن تصدق أن هناك من يخشى أو يتوقع غضبك، فالغضب الساطع خرج من أغنية فيروز، واستقر في مطرقة «أبو شاكوش»، ولم يخرج منها حتى اللحظة، أما ما طرطش منه فلا يكفي لإشعال شرارة!
مبروك إذن، لبني صهيون إعلان القيامة، على يد ملاك موتهم: «عزرامب»، الشاهد الأخير الذي يدشن بإمضائه نهاية إسرائيل! ثم «طز» بالخونة والعملاء، وهنيئا مريئا لهم بغزاتهم، يليق بهم – كما قال معتز على قناة «الشرق» – أن يكون هذا الزمن الرخيص زمنهم، لأنهم يعيشون أنذالا ويموتون أنذالا، بين وعدين، أولهما وعد بلفور: إعلان الوجود، وثانيهما وعد ترامب: إنهاء الوجود، وأما الأبطال فلا مكان لهم بين هؤلاء، إنما مكانهم حضن ربهم في السماء أو ثكنة حريتهم في السجون!
جحيم الطغاة وزبانية «العربية»
المفارقة أن «العربية» طالبت بتشريح جثة صالح، لأنها لم تصدق رواية الحوثي، في أول لحظات من تسريب مشهد السحل، ولأول مرة يصيب حدس «العربية»، خاصة بعد اعتراف الحوثيين بفبركتهم لرقصة الموت الأخيرة مع صالح، واشتراطهم تسليم الجثة مقابل التعهد بعدم تشريحها، ما يدلك على همجيتهم، وبعدهم كل البعد عن الأهداف النبيلة والأساليب الإنسانية، بما لا يمكن معه اعتبار مشاهد التعامل مع الجثة وتسريبها فئويا أو عملا فرديا، طالما أنه لم يصدر اعتذار، بل إصرار على إخفاء معالم الجريمة!
هؤلاء هم خزنة جهنم، عبيد الثارات لا ثوار الحرية، رأيناهم في الشام يأكلون الأكباد، وفي ليبيا مدججين بالعصي، وفي اليمن عصابة «حوث بوث»، كلهم مأجورون إما لإيران وإما لأمريكا وإسرائيل، لا يفرق بينهم سوى التنافس على شرف إذلالك، ولا يجمعهم سوى الاستمتاع بمشاهدة عارك، وأكد هذا في برنامج «قصارى القول» على «روسيا اليوم»، طبيب صدام حسين حين قال، الرئيس العراقي الأخير رفض بشدة أن يفحصه طبيب إيراني أو إسرائيلي، وقد شاهد العالم هتافات الشهيد في لقطات خالدة من المحكمة ومنصة النحر: العار لإسرائيل العار لإيران، العار للخونة، فلماذا لم يزل «القبيلي عدو نفسه»، كما يقول المثل اليمني؟ ولماذا لا يتعظ العرب من دروس الحقب؟ وتاريخهم يشهد عليهم، منذ النعمان الذي هرسته الفيلة في فارس، مرورا بالمستعصم، الذي تذكرك رسالة هولاكو التهديدية له برسالة جورج بوش الابن لصدام، ثم المعتضد، الذي أغمد سيفه بجرابه بعد أن قتل الأسد، وليس انتهاء بالقذافي وصالح اللذين ماتا ذليلين، ليس لأنهما عاشا بطلين، بل لأنهما ارتقيا إلى الحكم بإذلال المحكومين، وليس لأن في الأمر عبرة أو حكمة، بقدر ما فيه من كشف لاستحقاق جهنم، طالما أن أبناء طغاتهم، هم زبانية وخزنة جحيمهم، التي لا يستطيعون أن يحرسوا سوى فضائها المتأجج بالفتنة، فجنة الوحوش أوسخ بكثير من جحيم العروش… وقد أتى زمن على أمتك، تبكي فيه على الطغاة… والغزاة… في عصر العبابيد الإعلامية السائبة… ويلاه!
قريبا سيتم إعلان صنعاء أول عاصمة بلا ماء، ثم استقلال حضرموت، وتقسيم اليمن، كما ورد في بحث نشره موقع «غلوبال بوليسي»، الذي وصف أحداث الوطن العربي بالحرب الدولية، فإن أخذت بعين الاعتبار الحظر الإسرائيلي على عمليات المسح الفضائي لآثار اليمن، وورشات نشر البهائية التي مقرها حيفا المحتلة، ستوقن أن اليمن امتداد تاريخي ووطني وسياسي لفلسطين، وأن ما يجري فيها ليس نزاعا إنما حرب إبادة حضارية، وتشويها منظما للذاكرة والثقافة والعلاقات الاجتماعية، حينها خذ العبرة من كولومبس، الذي اعتاد أن يطعم لحم ضحاياه الهنود لكلبه المدلل، بينما استخدم ريغان وصف «كلب الشرق المسعور» على الهندي الأخضر معمر القذافي، وأما الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون فقد أنجب من عبدته «الموروثة» ستة أبناء غير شرعيين، لم يعترف بهم، لأن درجتهم البيولوجية أقل من درجته!
وحين أراد أبراهام لينكولن أن يكحلها عورها، إذ اعترف بحرية العبيد، ولكنه دعا إلى عزلهم ونفيهم، وأما غاندي، فلم يمجده مستعمروه إلا حين دعا إلى ضبط النفس بالتعري، فكشف عن نوازع جنسية غريبة، آذت نفسية أقرب مقربيه لأنه كان يصر على أن ينام عاريا قرب أطفالهم العـراة… كما عرضت قناة «متع عقلك» الالكترونية، هنا فقط عليك أن تعرف متى يتوقف الغزاة عن الخوف من حرية العبيد، ومتى يرتعدون من الأسـرى وراء قضبان من حديد، ومن المقاومين في الأنفاق، جنوب السماء شمال البـراق… وحظـا أوفر للطـغاة والخـونة وإعلاميـي الشـقاق والنـفاق!
لينا أبو بكر
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن