يعتبر حق تقرير المصير حق جماعي لكل الشعوب والمجموعات الانسانية بغض النظر عن الاثنية او العرق او اللون او الانتماء او الدين او الثقافة، وهذا ما كفلته الاعراف والقوانين الدولية كافة، واصبحت ممارسة هذا الحق واقعا عمليا في كل الشعوب والمجتمعات وخاصة في الدول الغربية، اذ تلجا تلك الدول الى اجراء استفتاء شعبي عام لتحقيق مطالب شعوبها في تقرير المصير والاستقلال، وقد مثلت الاستفتاءات الطريق الامثل لذلك، واصبحنا نشهد الكثير من الاستفتاءات في دول العالم حول الكثير من القضايا الاساسية والمصيرية، والتي كان اخر تلك الاستفتاءات استفتاء في بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوروبي، والذي كان موضع احترام وترحيب من الجميع داخليا وخارجيا.
هذا الواقع الممارس في الدول الغربية والذي يعبر عن اسمى واعلى مراتب الحرية والديمقراطية، يعتبره الكثير في العالم العربي وخاصة الانظمة العربية الديكتاتورية نوع من التمرد والخيانة والجريمة والعصيان وترفضه وتحاربه ومستعدة ان تخوض الحروب من اجل وقفه ومنعه، وهذا يعود الى ثقافة الاقصاء والافناء ورفض الاخر التي تسود المجتمعات العربية افرادا وشعوبا وحكام، وقد مثلت تجربة السودان نموذجا لذلك فبعد اكثر من ثلاثين عام من الحرب بين حكومة السودان والجنوبيين المطالبين بحق تقرير المصير والاستقلال رضحت الحكومة السودانية لمطالبهم عبر استفتاء عام والذي منحهم حق نقرير المصير والاستقلال، وعلى صعيد اخر فقد واجهت مطالب الاكراد عبر السنين رفضا شديدا من قبل الانظمة العربية في منحهم ابسط الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حتى كان يفرض عليهم بتسمية ابنائهم باسماء عربية، واستمرت سياسة التهميش لهم في البلاد العربية التي يسكنون فيها بعد تحرر تلك الدول من الاستعمار الاجنبي وخاصة في العراق وسوريا.
ومع تنامي الحركة القومية الكردية عبر سنوات النضال والكفاح من اجل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فقد تعرض الاكراد الى الكثير من الاضطهاد والتهجير والاعتقال والطرد من قبل الانظمة العربية السلطوية ، ولكن بعد ان توافرت الظروف المناسبة للاكراد للتعبير عن ذاتهم عملوا على توحيد جهودهم والاصرار والحفاظ على ثقافتهم ومعتقداتهم والتعبير عنها والمطالبة بحقوقهم الاساسية واهمها حق تقرير المصير والاستقلال.
ان الاستفتاء المقرر ان يجري في ايلول المقبل في كردستان حول استقلال الاقليم هو تعبير عن المطالب الشعبية والحقوق المشروعة للشعب الكردي في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، لكن التصريحات اليومية التي تنطلق من القيادات العراقية التقليدية والتي اثبتت فشلها التاريخي في حكم البلاد وعززت الفساد والديكتاتورية خلال السنوات السابقة لن تقف عائقا امام هذا الحق الاصيل للشعب الكردي في حق تقرير المصير والاستقلال في دولة حرة مستقلة اسوة بكل شعوب الارض .
ان حق تقرير المصير للشعب الكردي هو حق مقدس، ويجب على كل احرار العالم الوقوف الى جانب الشعب الكردي ودعمه في هذا الحق ، واذا نظرنا الى خارطة الشرق الاوسط في هذه الايام فان كردستان العراق تعتبر من اكثر المناطق استقرارا، اذ اصبحت ملاذا وملجا لكل الفارين من جحيم الحرب في وسوريا والعراق ، واصبحت موطىء جذب للاستثمارات والتطور الاقتصادي .
ان الاستفتاء التاريخي الذي سوف يجري في ايلول المقبل يعبر عن مرحلة تاريخة جديدة في تاريخ الشعب الكردي والتي يجب ان تتوج باقامة دولة كردية ديمقراطية حرة ومستقلة يعبر فيها الاكراد عن تطلعاتهم وتحقيق حقوقهم ومطالبهم العادلة والمشروعة .
ان حق تقرير المصير للشعب الكردي يعتبر انتصارا لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وهو انجاز لنضالات وتضحيات الشعب الكردي عبر سنوات طويلة من الكفاح والنضال من اجل اقامة دولته المستقلة الحرة.
حسين الدايك