اوضح الكاتب والناشط السياسي الفلسطيني عزمي بشارة، في ورقة بحثية له للمركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، اسباب الازمة الحالية بين قطر ودول الخليج وخاصة السعودية، مشيرا الى ان بدأية الازمة كانت مع نشر تصريحات مفبركة لامير قطر تميم بن حمد ال ثاني، لتعلن بعدها كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها.
يقول بشارة حول بدايات وجذور الازمة، ان السياسة الخارجية القطرية تميزت منذ عام 1995 بالدينامية والمرونة والقدرة على المناورة ومحاولة إيجاد علاقات متوازنة مع أكثر القوى الإقليمية والدولية، حيث بنت قطر علاقاتٍ متينةً مع الولايات المتحدة، واستضافت إحدى أكبر القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، وانفتحت في نفس الوقت على القوى الإقليمية الأخرى على الرغم من التناقضات الكبيرة فيما بين هذه الدول.
وأطلقت قطر ثورةً إعلاميةً عبر إنشاء قناة الجزيرة، وشرّعت من خلالها الباب أمام مناقشة قضايا كانت تعد “تابوهات” في الفضاء السياسي العربي المغلق، واستضافت مثقفين وإعلاميين وناشطين من مختلف التيارات السياسية والفكرية الليبرالية والقومية واليسارية والإسلامية، وتناولت أكثر القضايا حساسية في العالم العربي. في حين اتسمت سياستها بالانفتاح؛ فأولت قضايا المرأة اهتمامًا كبيرًا، وقامت بلبرلة التعليم وفتح فروع للجامعات الأميركية.
وعملت قطر في منتصف التسعينيات، وخاصة من الناحية السياسية الخارجية والإعلامية، بشكل اصبحت مصدر إزعاجٍ لبعض الحكومات، وكانت مادةً لعنوان تأزّمٍ دوري في العلاقات مع هذه الدول على امتداد العقدين الماضيين، وبصورة خاصة السعودية.
وحاولت الدول العربية مع ظهور الربيع العربي، تحميل الإعلام وقطر المسؤولية عنها، في تهربٍ من عملية محاسبة للنفس على الأخطاء والسياسات التي قادت إلى الحالة الثورية عربيًا. وكانت قطر وقناة الجزيرة تؤديان أكثر أدوارهما حيوية ومحورية في المنطقة العربية خلال هذه المرحلة، كانت النظم العربية تعيش مرحلة انكماشٍ ودفاعٍ عن النفس، محاولةً الانحناء للعاصفة ريثما تهدأ.
ويشير عزمي بشارة ان عام 2013 تمثل نقطةً مفصليةً في سياسة قطر الخارجية؛ إذ بدأ المد الثوري بالانحسار نتيجة أخطاء وإخفاقات لقوى الثورة، وعنف الأنظمة، ولا سيما النظام السوري وأخطاء الإسلاميين في الحكم في مصر وطموح العسكر للعودة إلى الحكم، وتعقيدات الوضعين السياسي والاجتماعي العربيين.
موضحا ان هذه المرحلة عرفت بمرحلة الثورات المضادة التي قادتها الإمارات والسعودية، والتي حمّلت قطر مسؤولية محاولة إفشال مساعيها في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإلغاء كل ما ترتب على ثورات الربيع العربي. وبعد الانقلاب العسكري في مصر، تفجّر الخلاف بشكل علني بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، وانتهى بسحب الدول الثلاث لسفرائها من قطر مطلع عام 2014، واستمرت الأزمة نحو تسعة أشهر.
ويؤكد بشارة الى ان “الازمة الخليجية توقفت في ذلك الوقت عند حدود سحب السفراء ولم تتخذ أبعادًا أكبر نتيجة حالة القلق التي انتابت عواصم الدول الخليجية من سياسات إدارة أوباما الثانية”.
ويضيف قائلا، ان الحملة الإعلامية عندما انطلقت على قطر قبل نحو أسبوعين، مثّل هذا استئنافًا لصراعٍ قديمٍ حول دور قطر ومواقفها وسياستها الخارجية لم تسمح الظروف السابقة بحسمه، علمًا أنّ قطر التزمت المواقف الموحدة لدول الخليج العربية في أكثر القضايا الإقليمية أهمية في سورية واليمن والموقف من إيران والحرب على الإرهاب.
ويؤكد بشارة انه ومع انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، استعادت السعودية والإمارات الثقة بالنفس، ونشأ تحالف بين ولي عهد أبو ظبي وولي ولي العهد في السعودية، لأسباب داخلية وخارجية، وعادت القيادتان إلى سياستهما الهجومية، وبدأت بالتعبئة ضد قطر في وسائل إعلام غربية وأميركية عديدة، وصولًا إلى قمة الرياض التي قدّمت مؤشرات على وجود أزمة مكبوتة في العلاقات مع قطر.
وبدا أن الهجوم الإعلامي الإماراتي والسعودي غير مبالٍ بالنفي القطري لرواية تصريحات أمير قطر، وعلى الرغم من قيام دولٍ مختلفة بإبلاغهما أنه جرت فعلًا قرصنة وكالة الأنباء القطرية، استمرت الحملة الدعائية على الدوحة؛ ما يعزّز الظن بأنها حملة مُخططة مسبقًا. وقد أخذت الهجمة الإعلامية على قطر شكلًا جديدًا غير مألوفٍ في التعامل البيني الخليجي في أوقات الأزمات؛ إذ لم تتوقّف الحملة عند فبركة أخبار وتلفيقها ضد قطر وسياساتها الخارجية، بل وصلت حدّ توجيه الشتائم للأسرة الحاكمة.
ويقول بشارة ان الهجوم الإعلامي الخليجي الأخير، وما استتبعه من قطعٍ للعلاقات الدبلوماسية، من سياسة قطر الخارجية كانت ركيزةً أساسيةً لتحقيق أغراضه، وجاء على رأسها اتهامات لقطر بدعم الإرهاب، وتنمية علاقاتها مع إيران، وزعزعة استقرار دول مجلس التعاون، في حين ان قطر حليفٌ فعالٌ في الحرب على الإرهاب، وهذا ما أكّده ترمب خلال لقائه بأمير قطر على هامش قمة الرياض.
واوضح بشارة “فيما يتصل بعلاقة قطر مع إيران، فمن نافل القول إن قطر دفعت أكبر الأثمان بين كلّ الدول الخليجية نتيجة تدهور علاقتها بإيران بسبب الأزمة السورية، ليس على شكل اختطاف مواطنين لها واحتجازهم وابتزازها سياسيًا وماليًا (كما حصل في أزمة اختطاف المواطنين القطريين في العراق)، بل استمرت أيضًا في دفع أثمانٍ سياسية كبيرة نتيجة لذلك.
وحول علاقتها بالإخوان المسلمين، فقد أعلنت قطر أنها لم تدعمهم ولا تدعمهم وتختلف معهم، ولكنها لا ترى فيهم تنظيما إرهابيا، لسببين: أولهما أنهم ليسوا تنظيما إرهابيا، وثانيهما أن هذا التوسع في استخدم الإرهاب ووسم الخصوم السياسيين به يضر بالمعركة ضد التنظيمات الإرهابية فعلا.
ويؤكد بشارة انه وفيما يتصل بنشر شائعات تمويل قطر للإرهاب، فهي مزاعم تُفنّدها مشاركة قطر القوية في الحرب على الإرهاب، ومكافحة تمويله، علمًا أنه لم يبق من زعم الدول الثلاث في هذا الشأن إلا المطلب المتعلق بحركة حماس.
ويذكر السياسي الفلسطيني عزمي بشارة، في نهاية ورقته البحثية، ان وراء الازمة مبررات واهية، والمعركة تدور حول دور قطر الإقليمي وسياساتها الخارجية، وهي محاولة مكشوفة من الإمارات والسعودية لفرض سياسة خارجية معينة تلتزم قطر بها خاصة فيما يتصل بالعلاقة مع مصر، والتي تتمتع كلٌ من الإمارات والسعودية بعلاقة متينة معها.
ويضيف، ان الحملة على قطر تحظى بدعمٍ كبيرٍ من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، التي تسعى لتشويه صورة قطر وتقديمها كدولة “راعية للإرهاب”، مؤكدا على استحالة قبول قطر بفرض الوصاية عليها بالتراجع عن سياستها المستقلة في ظروفٍ من التهديد وفرض العقوبات وشنّ الحملات الإعلامية عليها بناء على فبركات، مضيفا ان نتائج الحملة ومداها على قطر مرتبطة بنهاية المطاف بالموقف الأميركي بشأنها.
وكانت كل من السعودية ومصر ودولة الإمارات والبحرين اعلنت عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد ان اتهمتها بدعم “جماعات إرهابية وطائفية” وإيران، وانضم اليهم فيما بعد كل من اليمن وحكومة شرق ليبيا والمالديف.
*عزمي بشارة مفكر وأكاديمي وناشط وكاتب سياسي وروائي فلسطيني، من عرب 48 وقائد التجمع الوطني الديمقراطي ومؤسسه في إسرائيل ونائب سابق في الكنيست الإسرائيلي عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي ومدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ت: كوران فتحي